‏لا يوجد في أدبيات الأمة الواحدة، وعصر السماوات المفتوحة ما يعرف بمصطلح “خليك في بلدك” لاسيما وقد رأينا كيف تأثر العالم العربي بثورة ‎تونس وانتقلت سريعا إلى أخواتها، وكيف انتكس الربيع العربي بالانقلاب العسكري في ‎مصر وانعكس هذا على شقيقاتها!

بلاد العُرب أوطاني وكل العُرب إخواني.

بل إن الأُخوة الإسلامية أعم من ذلك وأشمل كما أخبر الصادق صلى الله عليه وسلم: “المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ويجير عليهم أقصاهم وهم يد على من سواهم “.

ويوم أن أعلنت اعتراضي على ترشح الأستاذ عبد الفتاح مورو لرئاسة تونس، وقلت: لو كان لي حق التصويت وكان الخيار بينه وبين د. المنصف المرزوقي فإن صوتي سيكون للمنصف المرزوقي، لم أكن وقتها أقصد التثريب على حركة النهضة، ولا تأثيم فعلها فهى حركة كبرى لها تاريخ طويل، وتملك من الكوادر الكثير، وتستطيع من خلال ذلك أن ترجح وتوازن، ولها الحق في أن تختار ما تريد، كما أنني لا أملك الحق في منع أي مواطن يرى في نفسه الكفاءة أن يتقدم لخدمة بلده لأن الشعب سيختار في النهاية من يراه صالحا لخدمته.

 

لهذا اختلف الأمر

 

لكن أن يستقر الاختيار على شيخ الحركة الذي التصقت المشيخة باسمه ورسمه، وسمته ودله، عندها اختلف الأمر.

لأن الأستاذ مورو له تاريخ علمي ونضالي كبير، وله رمزية دينية معينة ومازال يَتزيا بزي العلماء وينادى بألقابهم، في حين أن مواقفه الأخيرة التي اتسمت بالخفة، واختياراته التي أبعد فيها النجعة كادت تأتي على كل ماضيه المشرف وسبقه القديم.

الفارق بين المنصف المرزوقي وعبد الفتاح مورو أن الأول له مرجعية يسارية وحكم فترة رئاسية كان متسقا فيها مع مبادئه، وظهر فيها معدنه الطيب، وحسن التنشئة التي شب عليها فعمل على ترسيخ قضايا الحقوق والحريات، والنزاهة والشفافية، وظل وفيا للربيع العربي ومجاهرا بخصومة الثورة المضادة وكفلائها.

أما الثاني: فالتزم سياسة الإمساك بالعصا من المنتصف فلا هو أظهر تمسكه بالمشروع الإسلامي ولا انتقل بالكلية إلى معسكر العلمانية!

ولا ينبغي أن ينزعج أنصار مورو من كلامي لأنه وفق ما ينتهجه من انفتاح ينبغي ألا يضيق بالرأي الآخر، وهو شخصية عامة تقوم بأدوار سياسية و”إعلامية”، وليس وليا في مقام، أو زاهدا في محراب.

 

حسنات المرزوقي

 

ثم إن حسنات المنصف المرزوقي سينعم بها الشعب التونسي، وأخطاؤه يحاسب عليها وحده أو ترجع على مرجعيته.

أما أخطاء الأستاذ عبد الفتاح فستبرر في ضوء صلح الحديبية وهزيمة أحد، وتُمسح أوضارها في ثوب الإسلام وشريعته.

لو كان عبد الفتاح مورو شخصية إسلامية تحمل المشروع الإسلامي وتتبنى قضاياه لكنت لسانه الذي يتكلم به، ويده التي يكتب بها، لكنه يقدم طرحا هجينا وخليطا غير متجانس
لا يمثل المشروع الذي أعرفه وأدعو إليه، ولو بَرِحَ المنطقة الرمادية وعاد إلى سيرته النقية عدنا إلى تعضيده وتأييده، ولو أعلن الانتقال بالكلية إلى الجهة المقابلة وأعلن العلمانية الصريحة لانتظرنا ترجيحات التوانسة واختياراتهم بين أبناء المعسكر الواحد.

بقيت شبهة تركيا وتجربة حزب العدالة والتنمية والتي يحلو للبعض تردداها ناعيا علينا مؤازرة أردوغان ومفاصلة مورو، مطالبين بالمعاملة بالمثل، والحقيقة أن البون شاسع، والقياس مع الفارق.
لأن أردوغان يسعى كل يوم لكسب أرض جديدة للإسلام تحت شعار العلمانية، وعبد الفتاح مورو يتقدم كل يوم خطوة تجاه العلمانية تحت شعار الإسلام.

ولا يستويان.

من د. محمد الصغير

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين