1- إن فض الاشتباك والإلتباس بين الفلسفة والإسلام مسألة مهمة، لأنه يحدد الحد الفاصل بينهما من جهة, ويحدد طبيعة ومهمة الفلاسفة العرب والمسلمين بعامه من جهة ثانية، ويبين الفرق بين طبيعة الفلسفتين العربية الإسلامية والأوروبية.

فلم يشتغل العرب قبل الإسلام بالفلسفة ولكنهم اشتغلوا بفروع الأدب، وبعد الإسلام, استخدم الأوروبيون تراثهم الفلسفي وبخاصة الإغريقي في التعامل مع الإسلام والهجوم عليه، سواء منهم المثاليون والماديون، فالفلسفتان المثالية والمادية أوروبيتان بامتياز، عندئذ إضطر الفلاسفة والمفكرون الإسلاميون مثل ابن سينا والبصري والغزالي أن يدرسوا الفلسفة والمنطق الغربيين لتفنيدهما والرد على ترهات فلاسفتهم، ومن خلال هذه المجادلات تبلورت قواعد وخطوط فلسفة عربية إسلامية توحيدية غير ميتافيزيقية، فالميتافيزيقيا بشقيها المثالي والمادي صناعة أوروبية، إن إيمان المسلمين بالله حي قيوم، وبالقرأن منهجًا وصراطًا مستقيمًا ومنبعًا للمعرفة وبالسُنة تنزيلًا للقرآن على الواقع، وبالإنسان مستخلفًا وصانعًا لتاريخه، وبالحرية سُنة إنسانية -كل هذا الإيمان- أبعد المفكرون والفلاسفة الإسلاميون عن الفلسفة الميتافيزيقية كما حدده الغرب.

2- كان مَثلُ الفلسفة في ذلك عند العرب مثل الوثنية، فقد حمت البيئة والتراث التوحيدي الذي ورثته المنطقة العربية قبل الإسلام منذ آدم ونوح عليهما السلام، ومرورًا بإبراهيم وإسماعيل ويعقوب والأسباط, وصولًا لعيسى وموسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم جميعًا- حمت هذه البيئة التوحيدية- العرب من الوثنية الأوروبية، حمتهم منها ولكنها استطاعت أن تحدث تشوهات والتباسات في العقيدة التوحيدية عندهم، فالأوثان عند العرب قبل الإسلام ليست آلهة كما كانت في الوثنية الأوروبية، ولكنها كانت في عقيدتهم مجرد وسيلة تقربهم زلفى إلى الله، وقد تحدث القرآن بوضوح تام في هذه القضية، يفسر هذا الفرق بين الوثنيتين الأوروبية والعربية السهولة التي وجدها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في تطهير صدور وقلوب النخبة الأولى من صحابته رضي الله عنهم جميعًا وتحملهم معه عبء الدعوة إلى الله.

د.عصمت سيف الدولة هو الإبن البار لهذا التراث والميراث التوحيدي الذي يجمع عالمي الغيب والشهادة في بوتقة إنسانية إيمانية، واضعًا بذلك أسس الفلسفة الإنسانية الإيمانية في مواجهة الفلسفة الميتافيزيقية الأوروبية والعلمانية الأوروبية المعاصرة، وقال قولته الشهيرة “فلتسقط الميتافيزيقيا” وعلى عكس ما أراد، شوه البعض بفهم أو عن غير فهم لمقاصد مقولته ووظفها بعض الإسلاميون والماركسيون، توظيفًا أقل ما يقال فيه أنه توظيف خاطيء، قال د. سيف الدولة عن كتابه نظرية الثورة العربية “هذا مذهبنا الإسلامي في القومية ومذهبنا القومي في الإسلام”، وجعل القرآن ظهيرًا داعمًا لكتاباته كلها، في كتاب الأسس وكتاب النظرية، وكتاب العروبة والإسلام وكتاب الهوية، والشيء بالشيء يذكر، فلما كنا في السجن، أرشدني لقراءة كتابيِ العقاد “الإنسان في القرآن” و”التفكير فريضة إسلامية” للوقوف على الطبيعة الإسلامية لجدل الإنسان، وقد كان جزاه الله عني كل خير. إن الإنسان في المثالية الهيجيلية والمادية المركسية مسير وليس مخيرًا أما الإنسان عند عصمت سيف الدولة هو مخير و يتحمل مسئولية إختياره.

إن حديث سيف الدولة عن الإنسان والأمة العربية ورسالتها الحضارية، والاستعمار والصهيونية والتجزئة والثورة العربية، منطلقاتها وغاياتها وأسلوبها وأداتها القومية لا علاقة له بالمثالية، إنما هو حديث مبني ومرتكز على رؤية إنسانية إيمانية، تؤمن بإن نصر الله آت وقريب، وأن دولة الوحدة العربية الإسلامية ليست هدفًا مثاليًا وإنما هي هدف واقعي وقريب.. القضية في حاجة فقط إلى مجاهدين.

من محمد السخاوي

باحث سياسي