قال تعالى: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} (الحج: 5).

 

هو حدوث حركة اهتزازية منفصلة للحبيبات المكونة للتربة، وليس بالطبع تحرك طبقات القشرة الأرضية كتلة واحدة كما يتم أثناء زلزلة الأرض. ولتفهم حدوث اهتزازات هذه الحبيبات ينبغي الإلمام بشيء عن طبيعتها وصفاتها.

 

وطبقاً لما يعرف عن تقسيم قوائم التربة (Soil Texture) فإن حبيبة الطين يقل قطرها عن (0.002) من المليمتر، وتتكون الحبيبة من طبقات متراصة (من صفائح السليكا والألومينا) كل طبقة فوق الأخرى، وتحمل الحبيبة على سطحها شحنات كهربائية سالبة أو موجبة على حسب نوع الطين (تنشأ من الزيادة أو النقصان في الشحنات الكهربائية للوحدات الداخلة في تركيب معدن الطين).

 

والطين من الغرويات المعدنية التي تتمتع بكثير من صفات الدقائق الغروية، ومن ثم فعند نزول الماء على الأرض بكميات مناسبة يؤدي إلى اهتزاز حبيباتها، ويمكن تفسير ذلك بما يلي:

 

(أ‌) ظهور الشحنة الكهربائية على سطوح الحبيبات يسبب عدم استقرار لها، وحدوث حركات اهتزازية لا يمكن سكونها وثباتها إلا بعد تعادل هذه الشحنات بأخرى مخالفة لها في الشحنة (ناتجة عن تأين الأملاح بالتربة)، حيث يتم تلاقحها على سطح الحبيبة فتستقر وتسكن، وجعل المخلوقات في أزواج رحمة من الله تعالى لها للاستقرار والسكون.

 

(ب) حدوث حركات واهتزازات لجزيئات التربة (الغروية) نتيجة دفع الدقائق الطينية بجزيئات الوسط السائلي (الماء).

 

ولما كانت حركة جزيئات السائل ليس لها اتجاه فإن الدقيقة الغروية (حبيبة الطين) تهتز وتتحرك من مكانها نتيجة لما تتعرض له من ضربات غير متساوية على جوانبها المختلفة.

وقد لاحظ العالم روبرت براون (عام 1243هـ ــ 1828م) هذه الحركة للدقائق الغروية، وأطلق عليها اسم الحركة البراونية (Brownian motion) حسب مذكرات د . حسين حمدي 1969م لمادة الغرويات.

 

والوسط السائلي “الماء” يكون هو الغالب على الجزء الصلب، وكلما كان الوسط السائلي متوفراً بكميات مناسبة أدى ذلك إلى تباعد حبيبات التربة عن بعضها وسهولة حركتها ما لم يحدث لها تخثر أو تجميع، فإذا نقص تقاربت الحبيبات وأبطأت حركتها واهتزازها حتى تتوقف. وإذا تعادلت الشحنة الكهربائية التي تحملها استقرت وفقدت حركتها واهتزازها.

 

ولذلك فإن كلمة “اهتزت” الواردة في الآية الكريمة هي تأثير مباشر للماء على حبيبات التربة. وإن اهتزاز حبيبة التربة بتأثير دفع الهواء هو تأثير غير مباشر للماء أيضاً، فالماء يحل محل الهواء. وينطلق الهواء من ثقوب محددة إلى الهواء الجوي على هيئة فقاقيع متقطعة، وقد يدفع حبيبات التربة جانباً في اتجاه معين.

 

لذا فاهتزاز حبيبة التربة ما هو إلا تأثير مباشر لضربات غير متساوية من جزيئات الماء على جوانب الحبيبة، وهي مستمرة متى ما وجد الماء في التربة.

 

وهناك تفسيرات تشير إلى أن حبيبات التربة تهتز وتنتفخ وتظهر أعضاء الجنين فوق سطح التربة، ويحدث ذلك نتيجة عملية بزوغ وخروج الريشة أو استطالة السويقة (تحت الفلقية) تدفع حبيبات التربة إلى أعلى مسببة اهتزازاً لحظياً لجزيئات التربة المتماسكة بعد حدوث عملية الإنبات.

 

وخلاصة القول:

 

فإن حبيبات التربة عند اختلاطها بالماء تهتز وتتحرك جزيئاتها غير محددة لاتجاه معين، ويعني ذلك أن الأرض “اهتزت”، وعملية ترسيب الماء بين طبقاتها يزيد من سمك وحجم الحبيبة، وبالتالي كل الحبيبات. وهذا يعطي معنى “ربت” وانتفخت لتخزين الماء اللازم لإحياء الأرض، فتتشرب البذور وغيرها، وينبت الجنين تحت سطح التربة ببزوغ الجذير والريشة، وبذا تكون الأرض قد “أنبتت”.

 

ثم يظهر التنبت فوق سطح التربة ويكبر ويثمر معطياً رزقاً للعباد، وتتم كل هذه الآيات وفق ترتيب محكم وزمن متقن لأنه من صنع الله الذي أتقن كل شيء خلقه.

 

قال تعالى: {فَانْظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (الروم: 50).