الشرعية التي يعترف بها العالم هي “الاتفاق السياسي” وما انبثق عنه من أجسام = الرئاسي، النواب، الدولة. وبناء عليه، عليك أن تتمسك وتدعم الاتفاق السياسي والأجسام المنبثقة عنه، وإياك أن تتمسك بالأشخاص، لا تجعل الشرعية متجسدة في شخص “السراج أو باشاغا أو سيالة أو الكحيلي أو المشري..الخ” فإن هؤلاء بشر، يعتريهم ما يعتري البشر، فإن مات أحدهم ماتت الشرعية معه!. إن من أخطر القضايا التي تهددنا في الوقت الحاضر هو حصر الشرعية في أشخاص، دعمك للأجسام القائمة في طرابلس وتمسكك بها، يحول بينك وبين أن تصبح ميليشاوي أو إرهابي بجرة قلم فلان. ما تقدم، في غاية الخطورة فأتمنى من القوى الفاعلة والنشطاء والمتابعين التنبه له.

 

صحيح أنّ الدولة مهلهلة، وصحيح أننا في حالة من الفوضى، لكن هذا لا يعني إطلاقا أن نقلب الموازين رأسا على عقب!. بحيث أن يمتحن الطالب المدرس، أو أن يستدعي المجلس الرئاسي مجلس النواب ليستشيره!!. عليكم أنتم تقع مسؤلية إعادة النظام، وضبط الموازين.

 

القضية الخطيرة الغائبة في الشأن السياسي الليبي اليوم، هي أنّ “الشرعية” التي يعترف بها العالم اليوم ـ على هشاشتها ـ هي “الاتفاق السياسي” وليست “رئيس المجلس الرئاسي”. هذه قضية لها بالغ الأثر والخطر على مجريات الأحداث. النخب السياسية، خاصة الداعمة للاتفاق السياسي، عليها أن تسعى جادة لتفعيل الاتفاق السياسي عبر أجسامه الثلاثة = النواب، الرئاسي، الدولة. لأن البلد اليوم في غرب ليبيا يقودها فقط “رئيس المجلس الرئاسي!”، وحتى لو سلمنا بوطنيته وإخلاصه وحسن تدبيره وحرصه على مصالح البلد وهلم جرا، فإن تفرده بالقرارات والمبادرات والحوارات، ينذر بكارثة عما قريب، كررنا هذا الموضوع مرارا وتكرارا لعله يجد آذانا صاغية.

 

قال رئيس المجلس الرئاسي في كلمته أمام منتدى كونكورديا بنيويورك “حاولنا استيعاب حفتر في العملية السياسية، حيث عقد معه 6 اجتماعات، واتضح أنه كان مخادعاً طوال الوقت، ينتظر الفرصة لينقض على الحكم، ولم تكن مشاركته في المؤتمرات التي تستهدف حلاً سياسياً للازمة سوى محاولة لكسب الوقت”. انتهى.

 

وها هنا مجرد تساؤلات موجهة لـ :

ـ رئيس المجلس الرئاسي.

ـ القائد الأعلى للقوات المسلحة.

ـ وزير الدفاع.

ـ رئيس لجنة الأزمة.

وهذه المناصب سالفة الذكر = فائز السراج نفسه.

 

أولا: اتضح لكم بعد 6 اجتماعات أن حفتر “كان مخادعا طوال الوقت، ينتظر الفرصة لينقض على الحكم”. هذه الاجتماعات أخذت بضع سنين، ذاق الناس ألوانا من الهوان والعذاب والتهجير في العديد من المدن. من الذي يتحمل مسؤولية هذه الكوارث، أهو حفتر؟ أم الذي ينتظر استيعابه في العملية السياسية؟.

 

ثانيا: بعد أن اكتشفتم أن حفتر كان مخادعا طوال الوقت، وينتظر الفرصة لينقض على الحكم”. كان حفتر وميليشياته على أسوار طرابلس، في عين زارة واليرموك وخلة الفرجان، وقد قتل الآلاف ، وحاصر المدنيين، وأغلق عليهم مطار العاصمة الوحيد، ولا يخفى عليك المصائب والكوارث التي حلّت بسكان العاصمة. ترى من المسئول عن هذه الكوارث؟ أهو حفتر؟ أم الذي ينتظر استيعابه في العملية السياسية؟.

 

ثالثا: هذا الذي اكتشفتموه مؤخرا = حفتر كان مخادعا طوال الوقت، وينتظر الفرصة لينقض على الحكم. كان قد اكتشفه الكثير من أبناء الوطن وحذروا منه مبكرا، ولو استمعتم لنصحهم لما وصل الوطن إلى هذا الحال، ترى من المُلام في عدم الأخذ بنصائح الوطنيين من أبناء هذا الوطن، أهو حفتر؟ أم الذي ينتظر سنين عددا ليستوعبه في العملية السياسية؟

 

رابعا: هذه الشريحة الناصحة التي أشير أليها، قد تعرضت لأنواع من الأذى والألم والتشهير والإقصاء، بلغ إلى حد الإخفاء القسري والتهجير إلى خارج البلد. وأنتم اليوم وصلتم إلى نفس النتيجة التي وصلوا إليها هم قبل سنوات، فهل سنسمع اعتذارا لهم ورد اعتبار؟

 

خامسا: قولك “حفتر كان مخادعا طوال الوقت، وينتظر الفرصة لينقض على الحكم” يتعارض تماما مع الشعار الذي كان يرفعه حفتر طوال السنين الأولى، “محاربة الإرهاب” وكنت تبارك هذا الشعار وتدعمه بالمناسبة، فالسؤال “هل كان حفتر محاربا للإرهاب أم مخادعا طامعا في الحكم؟”.

 

سادسا: وتأسيسا على النقطة السابقة، قد تقول أن حفتر في فترة ما حارب “الإرهاب”. نقول لك صحيح، ولكن في ذات الفترة دعم “الإرهاب”. وقد ثبت هذا في بنغازي ودرنة وغيرهما. فإذا محاربته للإرهاب ودعمه له، هو من أجل أن “ينقض على الحكم” وليس خدمة للوطن والمواطن، وهذه نتيجة، وإن كانت متأخرة، ولكنك توصلت إليها بنفسك أليس كذلك؟

 

سابعا: وزيادة إيضاح لموضوع “الإرهاب”. لا يختلف عاقلان، بأن بعض العناصر المتطرفة قد تسللت إلى صفوف الثوار، وان فكرا متطرفا قد انتشر هنا وهناك في بعض المدن الليبية، إلا أن الحقيقة التي لا خلاف فيها، أن جميع العلماء والمشايخ المعتبرين في البلد قد أنكروا هذا الفكر والتطرف، وقد أصدروا العديد من البيانات والفتاوى الرافضة له. إلا أن حفتر أراد ان يخلط الأوراق للقضاء على ثوار 17فبراير ، فرفع شعار محاربة الإرهاب لينال الرضا والدعم الغربي.

 

ثامنا: وهي أهم النقاط، إذا كان حفتر قد استطاع مخادعتكم طوال تلك السنين، وأنت مُحاط بدوائر لدعم القرار ومستشارين ومُقربين وأصدقاء وهلم جرا، فما هو الضامن أن لا تتكرر هذه المخادعة؟ هل قمت بإصلاحات؟ هل أحلت أحدا من صناع القرار ممن حولك إلى التحقيق؟ هل أقلت أحدا منهم؟ هل القصور منك شخصيا؟ نحن لم نلاحظ شيئا قد تغير، هي نفس المنظومة التي كنت تحاور بها حفتر، هي ذاتها التي تحاور بها من هم أخطر من حفتر بكثير، وتتنقل بنفس المنظومة بين عواصم العالم، النتائج بناء على المعطيات السابقة معلومة مسبقا أليس كذلك؟.

 

فهل نحن أمام كارثة أخرى أشد من مخادعة حفتر؟!.

 

أخيرا: هذه تساؤلات تدور في أذهان الكثير من أبناء هذا الوطن، والأصل أن تكون هذه الأسئلة تحت قبة البرلمان، وتنقل بوسائل الإعلام، حتى يسمع الناس إجابات هذه الأسئلة، لكن ظروف كثيرة، منها سفرك، حالت بيننا وبين ذلك، وإلى أن تتاح الفرصة للقاء بك تحت قبة البرلمان أضع هذه الأسئلة في صفحتي المتواضعة، وأنا على يقين أنها ستصلك بشكل أو بآخر.

د. علي رحومة السباعي

عضو مجلس النواب

‎25 – 9 – 2019م

من د. علي السباعي

كاتب وباحث أكاديمي ليبي