قال رب العزة سبحانه: ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ (35).

 

هذه آية كاشفة يصح أن تكون مدخلا لتأسيس علم الاستبداد.

 

وتصلح أن تكون مدخلا لتحليل أسباب سقوط الأنظمة الحاكمة.

 

وتصلح أن تكون مدخلا للكشف عن استثمار المحنة في الدعاية إلى الله.

 

الآية ليست -كما يوهم ظاهرها- مفتتحا لمحنة جديدة؛ لأنها جاءت في عقب آية موعود الله لعبده بصرف سوء الكيد عنه (فاستجاب له /فصرف عنه كيدهن).

 

(ثم) في مفتتح الآية عنوان على تراخ هو بعض دليل على :”الدولة الرخوة”.

 

ودليل على هشاشة موقف الباطل.

 

ودليل على ورطة الباطل أيضا.

 

ودليل على بيروقراطية قديمة عريقة.

 

و (بدأ لهم )عنوان على حصار الحق.

 

وعنوان على توافر أدلته وسطوعها فكان الفرار من سطوتها بالتفكير في تهيئة المجال العام لتجاوزها بالنسيان.

 

وهذا مسلك ناتج عن جماعة حكم تؤمن بأن الزمن جزء من العلاج.

 

وهو مسلك يستثمر قواعد الاجتماع.

 

ويستثمر معرفته بطبيعة الإنسان في أزمنة الغفلة.

 

ويدعم قضية حصار الحق لفريق الحكم قوله تعالى: (من بعد ما رأوا الآيات)؛ ذلك أن الآيات كانت أدلة مادية على براءة النموذج الطاهر المؤمن. كانت الآيات مستعلنة لا سبيل لنقضها.

 

كانت الآيات أيادي مقطعة. وكانت الأيادي شهادة محقق خبير أقر بجريمتها بعد فحص مسرح الجريمة وتحليل الأدلة الجنائية،ثم هو شاهد من أهل الجانية المعتدية.

 

وكانت الآيات في ملبسه وقميصه الذي قطعته آثار عرام الشهوة التي أمدت كفيها بطاقة عنف بالغة أوان مطاردتها ليوسف وهو يستبق الباب طلبا للنجاة من جحيم عرام شهوتها.

 

وكانت الآيات خمش وجه من أثر الدفع طلبا للفرار والفوز بناتج حلاوة الإيمان والعفة.

 

ثم جاء الذي بدا للطغمة الفاسدة (ليسجننه حتى حين).

 

أول سقوط الحكم هو سقوط القضاء.

 

هذا صوت الآية الجليلة.

 

وأول التحول عن استبقاء النعمة هو تفشي الظلم في الأبرياء.

 

هذا صوت الآية الجليلة.

 

وأول ذهاب الدول ماثل في صيانة الفجور والمجون ومعاقبة الطهر والعفة والأمانة.

 

هذا صوت الآية الجليلة.

 

كان القرار بالسجن في المؤمن العفيف الأمين المهذب هو بداية الجدب والأفول.

 

والسجن في حق الأبرياء دليل إفلاس.

 

ودليل اعتراف بهشاشة النظام في مواجهة الجريمة المتسترة المتلفعة بالسلطة.

 

ودليل استثمار لحقائق الاجتماع.

 

وحقائق العلم بطبيعة التجمعات البشرية الواهنة التي تنسيها تراكمات الأحداث ما كان من فضل الأفاضل. وتتلاعب بها أنظمة الحكم الفاسدة الماجنة فتبعدها عن قضايا الطهر حتى تستديم الحكم باسمها خديعة ومكرا.

 

وكان السجن سبيلا في هذا الجو الفاسد لحمل الناس على نسيان خيانة بيت الحكم.

 

وسبيلا لنسيان فساد الحاكم وضعفه وفسقه.

 

وسبيلا لنسيان هيئات الدولة المتساندة في الباطل. تعلمه وتتجاوز عنه.

 

تعلمه وتصونه.

 

وهي في الحقيقة تدعم السقوط وتسرع نحوه.

 

الآية نص عجيب في آليات الحكم في الأنظمة الفاسدة.

 

وفي نمط من أنماط الحكم غير الأخلاقي.

 

وفي تحليل أسباب استجلاب النقمة الإلهية. واستحقاق الجدب والجفاف وهجوم ندرة الغذاء وشح الخيرات.

 

الآية تقرر أن الحكم المستبد يستعلن مع ظلم الأبرياء. ويستعلن بسجن الأبرياء.

 

ويستعلن بحماية الفاسدين.

 

ويستعلن بحماية الفاسقين.

 

ويستعلن بالتعايش الآمن مع أهل المجون والتخطيط لحمايتهم.

 

ويستعلن باجتماع المؤسسات الحكومية على ذلك. ففي الآية كان البداء (لهم).

 

ولهم هذه :كاشفة عن العطن الذي يفتك بأجسام الحضارات والدول.

 

لهم هذه : فاضحة لأذرع الحكم المتساندة لأجل حماية الفساد أيا ما كانت الحجة.

 

لهم هذه :عرت مؤسسة القضاء ومؤسسة الاستشارة ومؤسسة الحكومة التنفيذية في نظام العزيز.

الآية على الحقيقة تقرر أنه بما بدا لهم من عقوبة الطهر وإثابة العهر كان قد بدا للحياة في ظل.

قوانين السماء بداية أفول دولة الظلم وطلوع نجم دولة الإيمان والقيم.