مع انطلاق الموجة الثانية لثورة الربيع العربي والتي فاجأت أنظمة الثورة المضادة التي ظنت بأن الثورة قد تم احتواؤها بالترتيبات السياسية والتي شاركت فيها الأحزاب الوظيفية…

 

ففي تونس أطاح الشعب بابن علي فقُدمت حركة النهضة في صدارة المشهد السياسي مع أول انتخابات بعد الثورة ليتفاجأ الشعب بإتفاق باريس بين الغنوشي والسبسي رجل النظام السابق لتسلم الحركة رئاسة الدولة له ليعود رجال النظام يحكمون من جديد باسم الثورة التي تم احتوائها من الداخل بواسطة هذه الأدوات الوظيفية برعاية أمريكا وفرنسا ومجلس أوربا الذي أشرف على وضع الدستور التونسي ليفتح الطريق لعودة رجال بو رقيبة وبن علي…

 

وفي مصر أطاح الشعب بمبارك وقُدم حزب العدالة والحرية وحزب النور في الانتخابات البرلمانية واختار د. محمد مرسي مرشح الإخوان لرئاسة الدولة ليتفاجأ الشعب بعودة رجال مبارك في الحكومة وبقائهم في المؤسسات العسكرية والأمنية ضمن تفاهمات وترتيبات سياسية خلف الكواليس برعاية السفيرة الأمريكية آن باترسون والتي مهدت للثورة المضادة والانقلاب العسكري بقيادة الجنرال السيسي لينقلب على من اختاره ولتعود السلطة من جديد لرجال نظام مبارك وتعود مصر لآتون الظلم والاستبداد والفساد من جديد…

 

وفي ليبيا أطاحت الثورة المسلحة بالقذافي وقُدمت حزب العدالة والبناءلصدارة المشهد السياسي ليتفاجأ الشعب بتفاهم حزب العدالة والبناء مع القوى الدولية في اتفاق الصخيرات والعملية السياسية الناتجة عن المبادرة الدولية برعاية المبعوث الدولي وإذا بقوى الثورة على الأرض يتم تحييدها وإخراجها من المشهد السياسي مع عودة الجنرال حفتر رجل نظام القذافي الذي بدأ بشن حرب على قوى الثورة في شرق ليبيا لتخضع تحت سيطرته بدعم مصري خليجي وبرعاية دولية، واليوم وبعد اتفاق السراج مع حفتر في أبوظبي والذي ظهرت معالمه بعد هجوم حفتر على طرابلس بهدف القضاء على قوى الثورة المسلحة التي عجزت حكومة الوفاق والمجلس الرئاسي ببسط سيطرتها على قوى الثورة في الغرب الليبي فجاءت محاولة حفتر لإنهائها ضمن التفاهمات والترتيبات السياسية التي رعاها المبعوث الأممي غسان سلامة الذي يلعب نفس دوره السابق في العراق في مواجهة قوى المقاومة من خلال عملية سياسية شاركت فيها أحزاب وظيفية كالحزب الإسلامي وحزب الدعوة ليكرر دوره المشبوه في المشهد العراقي في ليبيا…

 

وفي اليمن أسقط الشعب اليمني علي صالح وكما في كل ساحات الثورة تفاجأ الشعب بالأحزاب الإسلامية كحزب الإصلاح وحزب الرشاد بقبولها للمبادرة الخليجية والرعاية الدوليةوالتي جعلت عبد ربه منصور نائب علي صالح مرشحا للثورة لرئاسة الجمهورية وفتحت الطريق لحركة الحوثي الطائفية ليصبح جزءا من المشهد السياسي الجديد في صنعاء وبهذه المبادرات الخليجية والدولية تم احتواء الثورة بتفاهم وترتيب مع الأحزاب الوظيفية الإسلامية والقومية واليسارية أعضاء تكتل اللقاء المشترك، ليتم بعد ذلك فتح الطريق عسكريا أمام حركة الحوثي لدخول صنعاء والتحكم بالمشهد السياسية كواجهة عقائدية جديدة للدولة العميقة والمؤسسة العسكرية…

 

والمتتبع لأحداث الثورة العربية وما قبلها لوجد هذه الممارسات تتكرر وكان ولا زال أخطرها جناية ما جرى في العراق وسوريا…

 

ففي العراق لم يردع الأحزاب الوظيفية انتمائها الإسلامي كالحزب الإسلامي ولا الطائفي كحزب الدعوة من دخول بغداد على ظهر دبابة المحتل الأمريكي وشرعنة الدستور والعملية السياسية الطائفية التي رعاها بريمر المندوب السامي الأمريكي واستمر الدور الوظيفي لهذه الأحزاب في مواجهة أي حراك شعبي واحتوائه من الداخل وتوجيهه كما فعل الحزب الإسلامي مع الحراك السني الذي ضُرب بعد ذلك بداعش التي فتح لها المحتل الأمريكي وحكومته الطائفية الوظيفية الطريق لضرب الثورة في العراق وسوريا تحت شعار مكافحة داعش…

 

وفي سوريا أصبحت الثورة السورية ملفا على مائدة التفاهمات بين القوى الدولية والإقليمية منذ أن تم إنشاء المجلس السوري الوطني كممثل سياسي للثورة ثم تحوله بعد ذلك إلى الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية والذي يشكل الإسلام السياسي كتلة رئيسية فيه، وبعد أن كانت الثورة على أبواب دمشق وإذا بالتفاهمات والترتيبات بين الائتلاف والقوى الدولية تدخل على الخط ويتم حصار مناطق الثورة وقواهاوتسليم المناطق بإشراف المحتل الروسي…

 

واليوم يراد إعادة الاستفادة من نفس الأحزاب الوظيفية في ترتيب المشهد السياسي في #الجزائر بإشراف الجنرالات الذين أطاحوا ببو تفليقة، وفي السودان بإشراف المجلس العسكري الذي أطاح بالبشير وكلاهما دعيا الأحزاب والقوى السياسية للمشاركة في الترتيبات السياسية للمرحلة القادمة تحت دعوى تحقيق مطالب الحراك الشعبي ليكرروا نفس الأدوار الوظيفية التي قامت بها الأحزاب الوظيفية في الموجة الأولى من الثورة العربية…

 

هذه الجناية التاريخية على الثورة العربية أسقط الجماعات والأحزاب الوظيفية عند شعوب الأمة ولم يعد لها أي مستقبل وهذه نتيجة طبيعية لكل من يقف مع الاحتلال والاستبداد والظلم والطغيان وإعادة إنتاج الأنظمة لوظيفية لخدمة المحتل الخارجي…

 

فهذه الأمة لن تنهض إلا بالإسلاموخطابه السياسي النبوي والراشدي لا بالدول القطرية والوطنية والتي رسخت الظلم والطغيان فهل تتعظ الجماعات والأحزاب والقوى مع انطلاق الموجة الثانية للثورة العربية…

 

‏﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾

من سيف الهاجري

مفكر وسياسي - الأمين العام لحزب الأمة الكويتي