للتذكرة -وباختصار شديد- تقول الحكاية إن فلاحة مصرية كانت تسير على طريق زراعي غير ممهّد، بينما كانت تحمل سلة جمعت فيها البيض الذي ستبيعه في سوق قرية (برما)، التي تبعد عن طنطا بحوالي 12 كيلو متراً، حين صدمها أحد المتعلمين المتعجرفين بدراجته، فسقطت السلة على الأرض وتكسّر البيض كله!! وأصبح من المستحيل حصر العدد الدقيق ليتم تعويض الفلاحة بمال مقابل البيض.

اجتمع أصدقاء هذا المتعلم، وسألوا الفلاحة البسيطة بعجرفة واضحة: كم بيضة كانت بالقفص؟! فقالت: لا أعرف، فبادروا بالسخرية من جهلها. وأرادت الفلاحة غير المتعلمة أن تلقّن هؤلاء «الأفندية» درساً يجعلهم لا يستهزئون بالبسطاء أمثالها، فقالت: «تعلمون أنني جاهلة بالقراءة والحساب ولا أعرف العدد، لكنني سأقول لكم إنني أحصيتها بالثلاثة في أكوام منفصلة فتبقّت بيضة واحدة، وبالأربعة فتبقت أيضاً بيضة، وبالخمسة فتبقت بيضة، وبالستة فتبقت أيضاً بيضة واحدة، وعندما قمت بإحصائها بوضع كل سبع بيضات في كوم لم يتبقَّ شيء». وبابتسامة ذات دلالة قالت بصوت خفيض: «اعذروني يا أبنائي، فأنتم متعلمون تستطيعون الحساب والقراءة، وأنا لا أتذكر عدد الأكوام، وبالطبع لا أتذكر عدد البيض لأنه كثير !! أنا جاهلة وأنتم «أفندية تعرفوا كل حاجة.. احسبوها بقى يا أهل برما».

كانت المعلومة الوحيدة التي أعطتها لهم الفلاحة البسيطة غير كافية للمتعلمين المتعجرفين أن يحسبوا العدد الإجمالي للبيض، ولكنهم بعد حيرة كبيرة وبعد اجتماعات مطولة في بيت العمدة وأعيان القرية، وبعد حشد كل المتعلمين في برما والقرى المجاورة لها، فَطِن أحدهم لمغزى المتاهة التي وضعتهم فيها تلك السيدة البسيطة، وعرفوا -بعد جهد كبير- حلّ الفزورة، وأن القفص كان يحتوي على 301 بيضة. ومن هنا جاءت مقولة «حسبة برما»، وأطلق عليها أهالي القرى المجاورة الذين اشتركوا في حل المسألة اسم القرية التي وقعت فيها تلك الحادثة.

والإجابة هي أن السيدة عندما قامت بإحصاء البيض (كل 3 في كوم) يكون لديها (3 في 100 كوم) يساوي 300 بيضة وتتبقى بيضة واحدة كما قالت الفلاحة. وهكذا إذا وضعت 4 في 75 كوماً يساوي 300، و5 في 60 يساوي 300، ثم 6 بيضات في 50 كوماً يساوي أيضاً 300 وتتبقى بيضة واحدة كما قالت الفلاحة؛ لكنها عندما وضعت كل 7 بيضات في كوم لم يتبقَّ من البيض شيء لأنها في هذه الحالة تكون قد صنعت 43 كوماً في 7 بيضات، وتكون الإجابة الصحيحة كما ذكرنا في المقال السابق هي (301 بيضة).

وهكذا تلاعبت الفلاحة المصرية البسيطة بعقول المتعلمين في قرية (برما)، فصارت حكايتها مثلاً يُضرب حينما تتعقد الحسابات وتتداخل، ويتطلب فضّ الاشتباك بينها هدوءاً وتفكيراً متعقلاً، أو كما يقولون أن تضع عقلك في ثلاجة عندما تبدأ في حل تلك الألغاز وفكّ هذه الطلاسم.

وتأتي مطالبة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة، في هذا السياق تماماً، على الأقل من وجهة نظري. الرجل يشبه تلك الفلاحة المصرية البسيطة التي أربكت الجميع، فهو يريد الحصول على تفويض شعبي جديد ليدخل به متاهة «حسبة برما» في المنطقة، ويتخذ بعض القرارات الصعبة التي ربما تتضمن الدخول في حرب على أراضي سوريا أو العراق.. فهل ينجح؟!

من أحمد حسن الشرقاوي

كاتب صحفي مصري