حشاني زغيدي

تمثل الدعوة للإنسان المسلم الروح التي يتنفس بها، والقلب الذي بنبض به، فهي أحسن عمل نفعي تطوعي، يتقرب به العبد لخالقه، وأفضل عمل ينتفع به في الدنيا والآخرة مصداقا لقول الله تعالي: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}

 

تمثل الدعوة في حياة المسلم الرسالي، المعشوقة التي ينفق في سبيلها الوقت والجهد والفكر  والمال والعرق، كأني أتخيل الآية الكريمة تخاطب المسلم بهذا التوجيه، أن هذا هو الطريق الذي تسعد به النفس في الحياة، وهو الطريق الذي يحسن للمرء سلوكه تأسيا، فقد سار عليه القائد الدعوة الأول صحاب الرسالة الخاتمة، وسار عليه بعده صحابته الكرام، ويسير على دربه كل من سار على  طريقه ليوم الدين.

 

وقد وجدت من الكلمات التي يرتسم فيها وصف مفهوم الدعوة اقتبسته من تعريف سيد قطب رحمه الله يقول: إن كلمة الدعوة حينئذ هي أحسن كلمة تقال في الأرض، وتصعد في مقدمة الكلم الطيب إلى السماء. ولكن مع العمل الصالح الذي يصدق الكلمة؛ ومع الاستسلام لله الذي تتوارى معه الذات. فتصبح الدعوة خالصة لله ليس للداعية فيها شأن إلا التبليغ. ولا على الداعية بعد ذلك أن تتلقى كلمته بالإعراض، أو بسوء الأدب، أو بالتبجح في الإنكار. فهو إنما يتقدم بالحسنة. فهو في المقام الرفيع؛ وغيره يتقدم بالسيئة. فهو في المكان الدون «ولا تستوي الحسنة ولا السيئة».

 

وبهذا المفهوم فهي أحسن وظيفة تختار تطوعيا، نقبل عليها ونحن متشوقون لتبليغ الهدي الذي يحمل رسالة الإسلام للإنسانية، نبلغه بصورته الناصعة البياض، نبلغه بأحسن أسلوب، نبلغه   بأروع الأمثلة التأسي، نبلغه بإتقان وتفنن، نعرض خيره الذي يحمله، نعرض هديه بجماله وإحسانه، نبلغه بتلك الصور الرائعة؛ لأن الإنسانية في أمس الحاجة للخير والنفع الذي تحمله رسالة  الإسلام.

 

وإن أعظم مهمة للدعاة اليوم غرس الإيمان في نفوس الإنسانية التائهة، ثم الدعوة لمكارم الأخلاق والفضائل، ثم الدعوة لأعمال البر الكثيرة والمتنوعة، التي نرى أن البشرية محرومة منها.

 

إن قمة السعادة أن يشعر المسلم، أن قيمة تلك النعمة الربانية أن يؤدي واجباتنا الدعوية  مستحضرين الإخلاص والتجرد  لله تعالى.

 

فتلك المهمة  النبيلة؛ الشاقة تكاليفها، المضمون ربحها.

 

من الجميل في هذا المقام أن تكون لنا محطة نستحضر فيها هذه الكلمات الرائعة للإمام الشهيد حسن البنا رحمه في وصف سعادة الدعاة يقول: أعتقد أن خير النفوس تلك النفس الطيبة التي تري سعادتها في سعادة الناس وإرشادهم، وتستمد سرورها من إدخال السرور عليهم، وذود المكروه عنهم، وتعد التضحية في سبيل الإصلاح العام ربحا وغنيمة، والجهاد في الحق والهداية،  علي توعر طريقهما، وما فيه من مصاعب ومتاعب راحة ولذة وتنفذ إلي أعماق القلوب فتشعر بأدوائها، وتتغلغل في مظاهر المجتمع، فتتعرف إلي ما يعكر علي الناس صفاء عيشهم ومسرة حياتهم، وما يزيد في هذا الصفاء، ويضاعف تلك المسرة، لا يحدوها إلي ذلك إلا شعور بالرحمة لبني الإنسان، وعطف عليهم، ورغبة شريفة في خيرهم، فتحاول أن تبرئ هذه القلوب المريضة، وتشرح تلك الصدور الحرجة، وتسر هاته النفوس المنقبضة لا تحسب ساعة أسعد من تلك التي تنقذ فيه مخلوقا  من الشقاء البدني أو المادي، وترشده إلي طريق الاستقامة والسعادة.

 

إن سعادة المسلم حين تكون له وظيفة ورسالة في الحياة، حين تكون له هدف خادم، يسعد به  نفسه وأهله وأمته، وحين يكون عضوا نافعا في كل شؤونه، فيكون حريصا على إيصال فكرته التي يؤمن بها إلى أبعد الحدود، من خلال الوظائف الدعوية التي يحسن إجادتها، فالدعوة تحتاج إلى رجل رسالة ذو كفاءة ومهارة.

 

وقد وجدت شرح تلك المهمة الخالدة في وضوح وبيان عند أستاذي الفاضل حمزة منصور في كتابه هكذا علمتني دعوة الإخوان يقول: إن الأخ المسلم الحق لا يجد سعادته إلا حين يبلغ دعوته، وينافح عنها ويكسب لها أنصارا ومؤيدين، وهنا أود أن أنبه إلى بعض الخلل الناجم عن الاكتفاء بالحد الأدنى من المهام الدعوية، تاركاً الساحة لمن يعيثون فيها فساداً، ومحملا غيره أعباء ينوء  بحملها، فلا يؤديها حق أدائها، أو تحمله على اليأس. فالمهمة هنا مهمة مشتركة «هدهد يرتاد، وسليمان يتفقد ويوزع الواجبات».

 

ولكن تلك الوجبات لا تصلح إلا إذا زانها الأصحاب بالعلم وأخذ الحكمة، فلا يصلح للدعوة الجهلة أو الدراويش أو السذج والبلهاء، الذين لا يحسنون عرض الهدي بجماله وكماله.

 

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه التفسير هذه الكلمات الهادية: وإذا كانت الدعوة إلى الله أشرف مقامات العبد وأجلها وأفضلها فهي لا تحصل إلا بالعلم الذي يدعو به وإليه، بل لا بد في كمال الدعوة من البلوغ في العلم إلى حد يصل إليه السعي، ويكفي هذا في شرف العلم أن صاحبه يحوز به هذا المقام والله يؤتي فضله من يشاء.

حشاني زغيدي

من حشاني زغيدي

مدير مدرسة متقاعد، مهتم بالشأن التربوي والدعوي، الجزائر