جاءت الجولة الخارجية الأولى لولي العهد السعودي محمد بن سلمان منذ أزمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلادة بتركيا لتعبر عن حجم الأزمة التي تعيشها علاقات المملكة الخارجية.

قبل توجهه للأرجنتين للمشاركة في قمة العشرين، زار ولي العهد السعودي أربع عواصم عربية هي: الإمارات والبحرين ومصر تونس. وتطرح هذه الجولة العديد من الأسئلة لعل أهمها:

دلالات تلك الزيارات؟ والرسائل التي حملتها للعالم؟ ولماذا اختار هذه الدول تحديداً؟ وما الذي يمكن أن تكشف عنه فيما يخص صورة المملكة الخارجية؟ ومغزى توقيتها؟ وما الذي يطمح إليه ولي العهد من خلالها؟

أول هذه الدلالات أن هذه الجولة العربية تبدو محاولة لكسر “حصار دولي” غير معلن على الأمير الطامح لكرسي عرش المملكة بعدما تأثرت صورته بشدة. ومن ثم فهي محاولة لتطويق تداعيات مقتل خاشقجي التي أدت إلى توتر علاقات السعودية مع الغرب وأساءت لصورة الأمير في الخارج وجلبت ضغوطا شديدة على المملكة لدرجة تلويح دول غربية بتوقيع عقوبات عليها، فيما أوقفت أخرى توريد الأسلحة لها.

أما عن مغزى التوقيت فقد جاءت الجولة بعد مرور فترة طويلة على حادثة خاشقجي وخفوت بريقها وذلك في محاولة لإعادة رسم صورة السعودية خارجياً، خاصة بعد دور المملكة الكبير في خفيض سعر النفط عالميا 7% ما جعل ترامب يبدي سعادته بذلك ويوجه الشكر للسعودية.

ثاني دلالات تلك الجولة، فهو محاولة حشد عربي داعم لسياسات المملكة الإقليمية حيث يمثل هذا الحشد الحاضنة العربية لسياسات المملكة والتيبدونها قد تنكشف أمام الضغوط الخارجية.

كما يعيد هذا الحشد بلورة دور المملكة أمام الغرب باعتبارها دولة محورية ومركزية ذات نظام سياسي مستقر وهو ما تحتاجه أمريكا في المواجهة مع إيران ومحاولة تحجيم نفوذها المتنامي.

ثالث هذه الدلالات، فهو الاختيار الدقيق لعواصم عربية –عدا تونس- تشكل دول التحالف الوثيق مع المملكة سواء في ملف الأزمة مع قطر أو في ملف اليمن وهو ما يعطي دلالة أن المملكة لا زالت تقود الإقليم العربي فيما يتعلق بقضايا تمثل مصالح مشتركة لهذا التحالف.

رابعا، لدلالات هو الرفض الشعبي الواضح للجولة ولصاحبها وذلك في العواصم التي لا تزال تشهد حراكا نسبيا مثل مصر أو حرية واسعة مثل تونس التي كان الرفض الشعبي فيها الأشد صخبا سواء من حيث حجم الرفض الذي عبر عن نفسه في احتجاجات وبيانات ترفض الزيارة وتعلنها صراحة لا مرحبا بك؛وبعد زيارة لم تستمر أكثر من أربع ساعات وتفاديا لإحراج ولي العهد السعودي ألغت الرئاسة التونسية المؤتمر الصحفي واكتفت بدعوة المصورين فقط.

وهو ما يجعل “الإجابة” دائما تونس التي أطلقت شرارة الربيع العربي وأعادت تموقع الحاجة إلى الحرية كمطلب حيوي من مطالب الشعوب لا يمكن أن تستغني عنه.

أما فرسا رهان الرفض الشعبي للزيارة فكانا نقابة الصحفيين والاتحاد العام للشغل، حيث علقت الأولى لافتة عملاقة في واجهة مقرها تحمل صورة الأمير وفي يده منشار آلي مع عبارة “لا لتدنيس أرض تونس الثورة”، وجاء في لافتة أخرى:”لا أهلا ولا سهلا ببن سلمان في أرض تونس الثورة”. أما الاتحاد العام للشغل فقد قاد حركة الاحتجاجات والمظاهرات ضد الزيارة؛ومع ما يحمله الاتحاد من مركزية في حركة المجتمع والدولة التونسيين ندرك حجم الرفض الشعبي للزيارة.

وفي زيارة ولي العهد لمصر نددت مجموعة من الصحفيين المصريين بالزيارة وأعلنت رفضها استقباله وفي بيان لهم أكدوا أنهم يرفضون استقبال بن سلمان لأنه أهدر القيم الإنسانية ومنها الحق في الحياة لمواطني بلاده، مشيرين إلى أن قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول جريمة واضحة ومكتملة الأركان.وشددوا على أنه لا يجب أن تمر زيارة “متهم” بقتل صحافي إلى مصر دون موقف، داعين الصحفيين في مصر وكافة أنحاء العالم إلى إدانة النظام السعودي بكامله “لأنه عدو الحرية”.

واعتبر البيان أن قول الرئيس الأمريكي ترامب: إنه لولا السعودية لكانت إسرائيل في ورطة كبيرة “ليس مصادفة”، مؤكدين أنه “لا أهلاً ولا مرحباً بولي العهد السعودي في مصر”.

ولعل هذا ما أكد دعوات بعض الأصوات التي قالت إن زيارة ولي العهد لدول تشهد حكما استبداديا هو الذي جعل الجولة تمر دونما صخب شعبي أما تونس التي لا زالت تتمتع ببعض الحرية فقد كان الرفض الشعبي للزيارة واضحا.

ولأن عواصم الاستبداد التي زارها ولي العهد التقت على تضييق المجال العام وسيطرت العقل الأمني فقد لجأت حركة الاحتجاج ضد الزيارة إلى منصات التواصل الاجتماعي؛ حيث رفعت حركة الرفض شعارات كاشفة مثل: زيارة العار، ولا أهلا ولا سهلا.

وأخيرا:

يمكن بلورة أهم دلالات الجولة في اعتبارها محاولة من المملكة لتجميل وجه الدولة وولي عهدها بعدما واجه شخصياً اتهامات بالمسؤولية عن جريمة خاشقجي؛ وتعرضت المملكة جراء ذلك وعلى مدار شهرين لهجوم سياسي وإعلامي مكثف وصل حد التلويح بضرورة بحث العائلة الحاكمة عن ولي عهد يكون أكثر توازنا في سياساته الإقليمية والدولية ويحظى بتوافق داخل أركان العائلة الحاكمة وينال رضى الحليف الأمريكي الذي يتجاوز بالطبع موقع وموقف الرئيس وشبكة مصالحه وتحالفاته التي تثير الضجيج داخل الولايات المتحدة بكونها ليست بعيدة عن شبهات المصالح الخاصة.