د. أحمد زكريا

آه لو عرفوك، آه لو فهموا أسرارك،آه لو تذوقوا لذيذ عطاياك لتغيرت الدنيا القاحلة،

وأصبحت روضة فيحاء، تمتلئ بالرحمات والحب والجمال والنور.

فقد جنى المسلمون- كما يقول شيخنا الندوي – في كثير من الأحيان على أنفسهم،

وعلى مقاصد الصوم وفوائده بالعادات التي يبتدعونها،

وبجهلهم وإسرافهم في الإفطار والطعام، الإسراف الذي يفقد الصوم الشيء الكثير من فائدته وقوته الإصلاحية والتربوية،

وقد لاحظ ذلك بدقة حجة الإسلام الغزالي وتحدث عنها ببلاغة، يقول رحمه الله: (الأدب الخامس)،

أن لا يستكثر من الطعام الحلال وقت الإفطار، بحيث يمتلئ جوفه،

فما من وعاء، أبغض إلى الله عز وجل من بطن مليء من حلال، وكيف يستفاد من الصوم، قهر عدو الله، وكسر الشهوة،

إذا تدارك الصائم عند فطره، ما فاته ضحوة نهاره، وربما يزيد عليه في ألوان الطعام،

حتى استمرت العادات، بان تدخر جميع الأطعمة لرمضان،

فيؤكل من الأطعمة فيه ما لا يؤكل في عدة أشهر، ومعلوم أن مقصود الصوم الخواء، وكسر الهوى لتقوى النفس على التقوى،

وإذا دفعت المعدة من ضحوة نهار إلى العشاء، حتى هاجت شهوتها، وقويت رغبتها، ثم أطعمت من اللذات، وأشبعت، زادت لذتها،

وتضاعفت قوتها، وانبعث من الشهوات ما عساها كانت راكدة،

-و تركت على عادتها، فروح الصوم وسرّه، تضعيف القوى التي هي وسائل الشيطان في العود إلى الشرور،

ولن يحصل ذلك إلا بالتقليل، وهو أن يأكل أكلته التي كان يأكلها كل ليلة لو لم يصم،

فأما إذا جمع ما كان يأكل كل ضحوة إلى ما كان يأكل ليلاً فلم ينتفع بصومه.

بل من الآداب أن لا يكثر النوم بالنهار، حتى يحس بالجوع والعطش،

ويستشعر ضعف القوى، فيصفو عند ذلك قلبه، وليستديم كل ليلة قدراً من الضعف،

حتى يخف عليه تهجده وأوراده، فعسى الشيطان ألا يحوم على قلبه فينظر إلى ملكوت السماء.

فهيا إلى مأدبة رمضان نغتنم  جميل ثماره، ونبحث عن قلوبنا التائهة في زحام زيف الحياة،

ونتنسم شذا محمد -ص الله عليه وسلم -فهو خير من صام وقام، وبلغ به الأمر أن صار أجود من الريح المرسلة.

من د. أحمد زكريا

كاتب وباحث