الدكتور عبدالحميد العاني، الناطق الرسمي لـ هيئة علماء المسلمين في العراق

الأمة| 

 منذ وقت مبكر ينظر من الخارج إلى انتخابات تشرين 2021 في العراق باعتبارها فريدة من نوعها، كونها أحد أبرز ثمار انتفاضة تشرين 2019 وأجريت بقانون انتخابات جديد طالب به المحتجون لضمان وصول المستقلين للبرلمان، وكونها أيضا تأتي في ظل محاولات لجعل العراق يتنفس خارج المحور الإيراني؛ لكن داخليًا يبدو الأمر مختلفًا بالنسبة للشعب العراقي.  كان الإقبال على الانتخابات “شبه معدوم” حتى النتائج التي تظهر تقلص مقاعد جميع الأحزاب السياسية المعتادة على السيطرة على البرلمان، يبدو من الاعتصامات حاليا في المنطقة الخضراء والمحافظات الجنوبية أنها ستؤخر تشكيل الحكومة القادمة وقد تدفع إلى التسويات المعهودة لإرضاء الأحزاب المنبثقة عن فصائل مسلحة متنفذة ذات ولاء إيراني.

للنقاش حول نتائج الانتخابات العراقية الأخيرة، وانعكاساتها على الساحة السياسية، كان لنا الحوار التالي مع الدكتور عبدالحميد العاني، الناطق الرسمي لـ هيئة علماء المسلمين في العراق.

الدكتور عبد الحميد العاني حاصل على درجة الدكتوراه في الحديث الشريف من جامعة بغداد، وهو أستاذ الحديث في عدد من الجامعات العربية والإسلامية له العديد من الدراسات الحديثية، والفكرية، والسياسية، وقضايا العالم الإسلامي. 

هيئة علماء المسلمين العراقية لا تشارك حاليًا بالعملية السياسية في العراق ولا تعترف بمخرجاتها منذ احتلال 2003، لكن الهيئة تتابع عن كثب الوضع السياسي والاجتماعي العراقي، ولها مراكز أبحاث ودور نشر ومنصات إعلامية.

 

• كيف تقيمون نتائج الانتخابات العراقية الأخيرة بعدما أسفرت عن خسارة أحزاب سياسية معروفة بولائها لـ إيران؟

♦ نحن في هيئة علماء المسلمين في العراق ومعنا العديد من القوى الوطنية؛ لا تعنينا هذه النتائج، لأننا نعتقد جازمين أن الانتخابات في العراق لا تتم وفق أسس صحيحة، وجميع إجراءاتها باطلة، ونتائجها لا تخضع لإرادة الشعب العراقي؛ بل هي نتائج مساومات وصفقات سياسية محلية وإقليمية، وخاضعة للمال السياسي والسلاح الميليشياوي.

أما ما يروج له عن (خسارة أحزاب سياسية معروفة بولائها لإيران) فقد يفهم منه أن الذي فاز مقابل هذه الأحزاب هي أحزاب وطنية معادية لإيران، والحقيقة أن هذا بعيد عن الواقع، لأن جميع المشاركين في العملية السياسية ولاؤهم لإيران، لكن درجة هذا الولاء يختلف، والمجاهرة به يتباين بين جهة وأخرى، وإلا فالجميع سائر في ركاب إيران، خاضع لمشروعها بشكل أو بآخر، فضلا عن الفساد الذي يتصف به الجميع.

 • انتخابات ما بعد “احتجاجات تشرين” هل يمكن اعتبارها بداية لتغيير المعادلة السياسية في العراق بعد احتلال 2003؟

♦ ربما نستطيع القول أن اضطرار القوى السياسية لاتخاذ قرار (الانتخابات المبكرة) جاء بسبب الضغط الجماهيري لثوار تشرين، ولكن هذا القرار ليس استجابة لمطالب الشعب وثوار تشرين، إنما محاولة التفاف من القوى السياسية على المطالب الشعبية، ونوع من الخداع لهم ظنا من هذه الأحزاب أن الانتخابات ستكون تهدئة للثوار المطالبين بالتغيير.

أما الانتخابات بحد ذاتها فقد تمت بذات الأسس التي قامت عليها جميع الانتخابات السابقة في ظل الاحتلال الأمريكي، فمن قام يتعديل بعض الإجراءات وتقسيم المناطق هي ذات الأحزاب الفاسدة التي ثار ضدها الشعب، والمفوضية العليا للانتخابات تتكون من هذه الأحزاب، وهي أبدا ليست مستقلة كما تسمى، لذلك فإن تغيير المعادلة الحقيقية تكون بتغيير أسس هذه العملية من جذورها.

 • باعتقادكم هل تجبر احتجاجات أنصار الفصائل المسلحة في المنطقة الخضراء وبالمحافظات الجنوبية الحكومة على إعادة فرز النتائج مرة أخرى؟

♦ كما تعودنا في جميع مراحل الانتخابات السابقة؛ فإن في مرحلة ما بعد الانتخابات تتزايد الصراعات بين الأحزاب والتيارات، صراعا بمختلف الوسائل، ويستخدمون جميع وسائل الضغط بما فيها إثارة المشاكل بين الشعب وافتعال الأعمال الإرهابية ضد الأبرياء، فيتخذون من دماء الشعب وسيلة للضغط على بعضهم، ثم يكون توزيع المناصب وتسمية أصحاب الوزارات وما دونهم خاضعا للصفقات والمساومات وفق محاصصات طائفية وخاضعا لقوة السلاح الداخلي والقرار السياسي لدول الإقليم ولاسيما إيران، وبعض المناصب تكون خاضعة للمزاد فتشترى من قبل من يدفع أكثر.

 • كيف تنظرون إلى عزوف الناخبين عن المشاركة في هذه الانتخابات تحديدا بشكل كبير عن سابقتها؟

♦ في الحقيقة كلمة (عزوف) قد تعطي دلالة بعدم الرغبة في المشاركة لأسباب الكسل واللامبالاة، ولكن الذي رأيناه في العراق أن هذا الامتناع عن المشاركة في الانتخابات إنما هو قرار مقاطعة، وهو ناتج عن وعي يتنامى لدى أبناء الشعب العراقي، وهذا ما قرأناه في دعوات المقاطعة التي سبقت الانتخابات، والتي جاءت كردة فعل لما تحدثنا عنه في هيئة علماء المسلمين منذ بداية هذه العملية السياسية، وهي أنها انتخابات قائمة على أسس باطلة، ولا تعبر لا قوانينها ولا في إجراءاتها ولا نتائجها عن رغبة الشعب العراقي.

ونذكر بأن المقاطعة في انتخابات 2018 كانت كبيرة حيث لم يشارك فيها إلا 18 %، أما هذه الانتخابات وبشهادة الجميع؛ فإنها الأدنى، ورغم محاولة المفوضية التغطية على هذه المقاطعة بالإعلان عن نسبة 41 %، لكن هذه النسبة غير صحيحة، علما أنها نسبة من أدلى بصوته قياسا لمن استلم بطاقة الناخب، وليس نسبة إلى من يحق لهم التصويت.

 • هل يحصل المكون الكردي على نصيب أكبر من السني في الحكومة المقبلة بعدما حصدت الكتل الكردية مقاعدا بالمحافظات السُنية؟

♦ كما ذكرت قبل قليل؛ فإن جميع المناصب لما بعد الانتخابات لا تخضع لما يسمى (الاستحقاق الانتخابي) فقط؛ بل دائما المساومات والصفقات السياسية بين الأحزاب والكتل، ويعلم الشعب أن هذه الأحزاب لا تعبر لا عن الشعب ولا حتى عن المكونات التي تدعي تمثيلها، لا قوميا ولا طائفيا ولا مناطقيا، إنما تمثل مصالحها كأحزاب وكأشخاص بالدرجة الأولى.


• مواقف مقتدى الصدر كانت متضاربة على سبيل المثال نحو إيران وثوار تشرين، هل فوز التيار الصدري بالكتلة الأكبر أفضل من استمرار سيطرة الكتل الواضح ولائها لإيران وعدائها للمطالبين بالتغيير؟ 

♦ مواقفه المتضاربة هذه كانت من أهم معاول الهدم للثورة الشعبية، ودائما نجده يتسلق على أكتاف الاحتجاجات الجماهيرية لتحقيق مصالح خاصة بالمنظمين في تياره، وليس لأتباعه من عموم الشعب أي نصيب، بل كان القتل والاضطهاد سلاحا موجها من ميليشياته ضد أبناء الشعب حتى ممن ينتسب لتياره من عوام الناس.

لذلك فإن المفاضلة بينه وسياسييه وبين الميليشيات الأخرى؛ مفاضلة بين وجهين لعملة واحدة، فساد وميليشيات ترتكب بحق العراقيين أبشع الانتهاكات، وتسير في ركاب تدمير العراق وهب ثرواته.

 • تحركات مصطفى الكاظمي تشير لرغبة في الإبتعاد عن محور إيران ويظهر ذلك من الصدامات مع الموالين لها. هل ينجح في إعادة العراق لمحيطه العربي؟

♦ جميع ما يظهر على السطح من هذه (التصادمات) إنما يندرج تحت التنافس داخل البيت الواحد، وأعني به داخل بيت العملية السياسية، سعيا لتحقيق مناصب أكثر، وهو يدخل عموما بين صراع القوى الإقليمية التي تتخذ من العراق ساحة، وهنا نذكر بأن الصراع بين هذه القوى في العراق إنما هو (صراع نفوذ لا صراع وجود)، بمعنى أن المشتركات بين محور أمريكا ومحور إيران؛ أساسية، وأما الخلاف بينهما فهامشي لا ينعكس على واقع البلد وإنقاذه من مأساته التي عمّت الأمن والاقتصاد وجميع الملفات.

 • حتى الآن ترفض هيئة علماء المسلمين دعم أي تيارات سياسية في العراق حتى من الكتل السنية، فضلا عن رفضها المشاركة بالعملية السياسية، هل يمكن أن يتغير هذا الموقف بوقت لاحق (كيف؟ أو لماذ؟)

♦ أولا الهيئة ليست ساعية للمنافسة السياسية من أجل الحصول على منصب، ولا طالبة أن يكون لأحد المقربين منها في أي منصب، ولذلك ترفض ما يحاول بعضهم القيام به من التودد أيام الانتخابات إلى الهيئة أو رموز الهيئة.

ثانيا لا بد أن نذكر بأن سبب رفض الهيئة لدعم كتلة أو شخص بعينها؛ إنما يرجع لأنها ترى أن أساس هذه العملية السياسية باطل، وأن أي دعم ولو لشخص واحد؛ سيكون بمثابة الاعتراف بالعملية وتسليم بإجراءاتها، ولأن الذي نطالب به هو تغيير جذري للعملية بما يضمن انتخابات معبرة عن رغبة الشعب العراقي، بعيدا عن المحاصصات المحددة والتي وضع أمريكا نسبها، وبعيدا عن نفوذ إيران وسيطرتها، بعيدا عن السلاح الميليشياوي العراقي والإيراني.

فلو تم هذا التغيير –كما يطالب به الشعب العراقي- فسيكون للهيئة كلمتها مع بقية القوى الوطنية، بما يحقق للشعب العراقي تطلعاته في الأمن والرخاء. وإننا لنرى في تنامي الوعي الشعبي العراقي أملا في اقتراب اليوم الذي يتم فيه ذلك بإذنه تعالى.

 

https://al-omah.com/%d9%85%d8%ab%d9%86%d9%89-%d8%ad%d8%a7%d8%b1%d8%ab-%d8%a7%d9%84%d8%b6%d8%a7%d8%b1%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a7%d9%82/

من عبده محمد

صحفي