الحديث في هذا المقال حول حرب (أذربيجان وأرمينيا).
وهو مثال جيد لبيان كيفية التعامل مع «المجتمع الدولي» أو «الشرعية الدولية».
هناك تساؤلات منطقية مهمة جدا تفرض نفسها في هذه الحرب:
كيف دخلت تركيا في تحدٍ مع روسيا بدعمها العلني لأذربيجان ضد أرمينيا حليفة روسيا؟
أليست روسيا أكثر تفوقا عسكريا من تركيا؟
أليست روسيا أحد الدول الخمسة التي صنعت «الشرعية الدولية» وعندها حق الفيتو؟
هل طائرات البيرقدار هي التي صنعت النصر؟
أم أنّ هناك عوامل أخرى لعبت دورا مهما في تغيير المعادلة؟
بعد الإجابة على هذه التساؤلات يمكن معرفة كيفية التعامل مع المجتمع الدولي وشرعيته (1).
معركة مشروعة
أولا: الأذربيجانيون يرون في هذه المعركة أنها معركة مشروعة من اجل استرداد أراضيهم التي احتلتها أرمينيا.
وهذه قضية مهمة جدا في الصراعات، أعني وضوح المعركة لدى عموم الناس،
فإجماع المجتمع التركي بجميع تركيباته، الحكومة، المعارضة، الصحافة، الأحزاب..إلخ،
لدعم حكومة أذربيجان، أحد أهم أسبابه أن الشعب الأذربيجاني يدافع عن أرضه المحتلة.
الدعم التركي يحدث الفارق
ثانيا: صحيح أنّ تركيا ليست كروسيا من حيث التسليح والتفوق العسكري،
إلا أنّ الدعم العسكري التركي لأذربيجان لا يُستهان به، وأحدث فارقا كبيرا في المعركة.
وليس ما تقدم هو ما جعل روسيا تُحجم عن التدخل عسكريا = بجيوش، لدعم أرمينيا،
هناك قضية أخرى، من وجهة نظري، هي التي كبّلت يد روسيا!، أوضحها في النقطة التالية.
معركة بين المسلمين والصليبيين
ثالثا: المعركة بين أذربيجان وأرمينيا في ظاهرها بين جارتين متنازعتين على أراضي،
لكن في حقيقتها معركة بين المسلمين والصليبيين أو بين الكفر والإيمان.
وهذه قضية تدركها الشعوب القوقازية المسلمة تمام الإدراك،
فلو تدخلت روسيا بقوات لدعم أرمينيا، فهذا يعني في حس الشعوب القوقازية المسلمة أنه دعم للكفر على الإسلام، أو دعم للصليبية على الإسلام،
وهذه قضية خطيرة جدا على روسيا وأمنها القومي، فيوجد داخل روسيا ما بين 25 إلى 30 مليون مسلم،
وشعوب القوقاز، كداغستان والشيشان وغيرهما قد خاضت حروبا طويلة مع روسيا،
والدماء لم تجف بينهما، فروسيا تدرك تمام الإدراك هذه القضية.
فلو دعمت تركيا شعوب القوقاز ضد روسيا، فلن تقوى روسيا على مجابهة هذ الحرب،
التي ستكون داخل أراضيها وعلى حدودها، لاسيما وأنّ القومية والعرق التركي ممتد في القوقاز ووسط آسيا.
أذربيجان أولى من سوريا
رابعا: وتأكيدا على النقطة السابقة، تأمل الموقف التركي في سوريا، تجد الموقف التركي ليس بالصلابة التي كان عليها في الحرب بين أذربيجان وأرمينيا، مع أنّ حرب أذربيجان بعيدة نسبيا عن حدود تركيا.
فالقوات الروسية على حدود تركيا، في حلب وغيرها، ومع ذلك تركيا لم تتخذ موقف التصعيد في الملف السوري!.
لأسباب كثيرة، من أهمها،
عدم وضوح المعركة في سوريا لدى الشعوب المحيطة بسوريا،
بل كثير من تلك الشعوب مع بشار الأسد ضد شعبه!،
وتأمل في حال معظم الليبيين مثلا، ستجدهم مع الروس ضد تركيا!.
خلافا لحرب أذربيجان وأرمينيا كما بيناه في النقطة السابقة.
الخلاصة
أخيرا: خلاصة ما تقدم، هناك أسباب كثيرة يمكن استخدامها لمقاومة شرعية المجتمع الدولي،
من أهمها، وضوح المعركة، ولاء الشعوب لهذه المعركة،
وما تقدم لا يكفي، إذ لو كان كافيا لتحررت فلسطين!، إعداد القوة المناسبة ولو نسبيا، كالبيرقدار وغيرها،
وكل ذلك بعد التوكل على الله.
ومع ما تقدم، لم تخرج تركيا عن الشرعية الدولية في إطارها العام!،
وليس كما يفعل المتحمسون في بلادنا، الذين ليس معهم من الشعب إلا من هم مثلهم!، وزوز كلاشنات وأر بي جي!.
وللحديث بقية إن شاء الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ سيأتي بيان وسائل أخرى لمواجهة جور المجتمع الدولي في المقالات اللاحقة إن شاء الله.
- د. علي السباعي يكتب: تيارات الغلو والقواسم المشتركة - مايو 22, 2023
- د. علي السباعي يكتب: ضبط المصطلحات.. «التمذهب» نموذجا (2) - مايو 17, 2023
- د. علي السباعي يكتب: ضبط المصطلحات.. «التمذهب» نموذجا (1) - مايو 15, 2023