د. محمود حجازي

لقد أظهر فيروس كورونا الوجه القبيح للعالم فالدول الغنية تقود سباقا محموما لتوفير اللقاحات المضادة للفيروس لشعوبها وفي وقت سابق حذرت منظمة الصحة العالمية من “كارثة أخلاقية” في العالم جراء توزيع غير متساو للقاحات كورونا بين الدول الغنية والفقيرة، ودعا المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس غيبرييسوس إلى توزيع الكميات الموجودة من اللقاحات بشكل متساو لتلقيح الأطباء والفئات الأكثر عرضة للخطر في العالم، وإلا سيستمر الوباء طويلا.

 

وما سبق دفع رئيس منظمة الصحة العالمية  للتنديد بأنه ليس من العدل أن الأصحاء في الدول الغنية يحصلون على اللقاحات قبل المرضى في الدول الفقيرة فلقد تم إرسال 39 مليون جرعة لقاح لسكان 49 من البلاد الغنية في حين حصلت دولة فقيرة على عدد 25 لقاح فقط.

 

في الوقت الذي يصف فيه البعض لقاحات كورونا على أنها الذهب السائل ويتم توزيعها تحت إجراءات أمنية مشددة فهناك 9 شركات عالمية فقط هي من تقوم بإنتاجها وفي الوقت نفسه كل دول العالم تريد شراءها في أقرب وقت ممكن والسيناريو الذي حدث سابقا مع الكمامات يتكرر حاليا مع اللقاحات.

 

فمثلا دولة «إسرائيل» والتي لا يزيد عدد سكانها عن 9 ملايين نسمة قامت بشراء لقاحات شركة فايزر الأمريكية بسعر يزيد 40% عن سعره الأصلي ليتلقى 2 مليون مواطن إسرائيلي اللقاحات لتصبح أعلى دولة بها نسبة تلقيح في العالم.

 

أما الدولة الفقيرة التي تحدث عنها رئيس منظمة الصحة العالمية هي دولة غينيا والتي حصلت فقط على 25 لقاح سبوتنيك روسي وقد ذهبت لرئيس الدولة ووزير الدفاع وبعض الوزراء والشخصيات الهامة.

وقد انتقد وزير خارجية كوبا برونو رودريغيز باريليا توزيع اللقاحات المضادة لفيروس كورونا حول العالم وكتب على «تويتر»  أنه «حسب معلومات منظمة الصحة العالمية، فإن 10 دول فقط اشترت 95% من اللقاحات المضادة لكوفيد-19 المنتجة في العالم» وتساءل: «كيف يمكن ضمان الوصول المتكافئ للوقاية في الدول الجنوبية؟ كيف يمكن ضمان تلقيح العائلات الفقيرة والمعرضة للخطر؟ وكم وقتا سيستغرق ذلك؟» وقد تجاوز إجمالي عدد المصابين بفيروس «كورونا» مستوى 95 مليون عالميًا منذ تفشي الجائحة، كما تخطت الوفيات حاجز مليوني شخص.

 

والأسئلة التى تفرض نفسها : كيف يكون العالم الأول في حالة سباق لإنتاج اللقاحات أو توفيرها لشعوبه ليفرض وجوده على الأمم في الوقت الذي يخصص الإعلام العربي ساعات على الشاشات للتحدث عن رانيا يوسف والشابة السعودية مع زوجها في المنزل؟ أين نحن من الخريطة الجديدة للعالم بعد كورونا؟ هل تنقصنا العقول أم تشجيع ودعم تلك العقول؟ ألم يحن الوقت لدعم العلماء ليكون لنا دور في العالم الجديد؟ هل نحن حقا مسلطون على أنفسنا وبات إعلامنا لا يركز الضوء إلا على التفاهات والساقطين؟ لماذا فشلت أكثر من 46 دولة عربية وإسلامية في إنتاج لقاح واحد لهذا الفيروس؟ أليس غريبا أن نرى الشعوب الإسلامية قلقة من تلك اللقاحات بسبب استخدام الجيلاتين المستمد من لحوم الخنزير والذي يعمل على إبقاء اللقاح بحالة أمان أثناء التخزين، ونفس الشعوب لا تلقى باللوم أبدا على عدم قدرة حكوماتها على إنتاج لقاحات حلال؟ لم نسمع عن شعوب إسلامية قلقة من هذا الأمر سوى من ماليزيا وإندونيسيا، أين بلادنا العربية من هذا الأمر؟

 

والإجابة التي تفرض نفسها: بلادنا العربية والإسلامية لا تنقصها العقول بل تفتقر لحسن الإدارة، ولو أتيحت الفرصة لشبابنا لابتكر العجائب ولكن الاتجاه العام للقادة والقائمين على تلك الدول هو سقوط سريع بخطى ثابتة وعزيمة قوية وهذا يشكك جدا في نوايا قادة تلك الدول حاليا والذين يهمهم البقاء في السلطة أكثر من مستقبل بلادهم، ولن نرى تقدما ورقيا في تلك الدول إلا إذا حدث تداول للسلطة وتحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، ألا يوجد بين كل هذه الدول حاكم واحد يدرك أنه بالعلم فقط تنتقل الدول لمقدمة الركب، ألا يوجد شعب واحد يملك إرادة قوية لفرض هذا الاتجاه بكل قوة والتضحية بما عداه؟!!

 

في النهاية ستجنى كل أمه ثمار ما قدمت للإنسانية والعالم ومستقبلا لن يكون هناك مكان لأمة تهدر حقوق العلماء طوال الوقت وتصدر السفهاء والساقطين للمشهد، والشعوب التى لا تدرك أن هذا أمر متعمد سترى مستقبلا ما لا يقر أعينها.

بعض المصادر:

Addressing Racial Equity in Vaccine Distribution

https://hub.jhu.edu/2020/07/01/covid-vaccine-ethics-faden/

https://apnews.com/article/immunizations-jakarta-indonesia-coronavirus-pandemic-china-fca994ba765735d277f736d9badb397c

https://www.voanews.com/covid-19-pandemic/halal-status-covid-19-vaccine-worries-muslims

د. محمود حجازي

من د. محمود حجازي

كاتب مصري، وباحث في دراسات الشرق الأوسط بالولايات المتحدة