لوط عليه السلام، هو ابن أخي إبراهيم عليه السلام، وقد آمن لوط مع إبراهيم وهاجر معه إلى الأرض المقدسة (فلسطين)، وقد أمر إبراهيم لوطاً أن ينزل بمدينة تسمى سدوم….

***

كنت ألقى محاضرة في فعاليات حقوق الإنسان عندما سألني أحد الحضور وكان شابا في مقتبل العمر قائلا “لماذا يكره المسلمون اليهود؟”، فقلت له هذا السؤال بحاجة لتعديل بسيط وإعادة صياغة فيمكنك أن تسأل قائلا “لماذا يكره بعض المسلمون بعض اليهود؟” وعندها سأجيبك قائلا بأن النقطة الأولى هي عليك أن تعلم أن نبى الإسلام محمد -عليه الصلاة والسلام- سعى دوما إلى دعوة اليهود إلى الإسلام وهدايتهم، فما وجد النبي الكريم أيّة فرصة للدّعوة وفوّتها، رغم ما وجده منهم من أذىً ورفضٍ وإهانات، حتى الحروب التي خاضها النبي معهم فإنه سبقها بالدّعوة والتّذكير. قدّم النبي صلى الله عليه وسلم لليهود حقوقَهم، فكان عليه السلام خير قدوةٍ للمسلمين فقد منح لليهود حقوق كحق العدالة وحق اختيار الدين وحق العبادة وحق التملك والأهم الحق في الحياة،، وحتى عندما تتأمل أمثلة فردية تجد النبي الكريم يقوم بزيارة شخص يهودي مريض كان يضع القازورات والقمامة أمام بيت النبي الكريم وبهذا ضرب نبي الإسلام مثالا في التعايش السلمي والخلق الحسن.

 

 

والنقطة الثانية هي أنه من المستحيل أن تجد شخص يحب الجميع أو يكره الجميع فكلا الحالتين غير وارد وإن تجادلنا في ذلك فأنت مثلا لا يمكنك أن تحب جميع الأمريكيين المختلفين عنك في الفكر خاصة السياسي مثلا وأنا شخصيا برغم كوني مسلم لا أحب بعض المسلمين محبة كاملة فمثلا كيف أحب بعض المسلمين الذين يهاجمون ثوابت الأديان ويدعون لكبت الحريات ويحلون للحاكم ما يحرمونه على الرعية وكيف أحب الذين باعوا القضية الفلسطينية ويعلنون دعمهم علانية للاحتلال متناسين ما فعله الاحتلال بأهل فلسطين من تنكيل وقتل وتهجير وما فعلوه من نشر حالة حزن بقلب كل عربي محب لأرضه، وطلبت منه عدم المقاطعة حتى انتهى وقلت له كان لا بد أن أكون صريحا وصادقا معك لتدخل إجابتي على هذا السؤال لقلبك قبل عقلك واستطردت قائلا وأنا كمسلم لا أكره بعض اليهود وسأذكر منهم البعض إن سمحت لي، فكيف مثلا أكره السيدة هنا أرندت المفكرة اليهودية  والتي نشرت الكثير من المقالات تهاجم الحركة الصهيونية وفكرة إنشاء دولة لليهود على أرض فلسطين العربية، وهى من ذكرت أن الهدف الصهيوني يتجاهل إرادة وحقوق الشعب الفلسطيني.

 

 

كيف يمكن لي كمسلم أن أكره نعوم تشومسكى الكاتب الأمريكي اليهودي وهو من أهم المفكرين الغربيين المعنيين بقضايا الشرق الأوسط عموماً، وبالقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، كيف أكره شخص يهودي يبحث في الحقائق ويقول الحق في وجه قوى عظمى ويريد للمحتل أن يرحل واصفا المحتل بأنه يود السيطرة على الثروات والأرض ومصادر المياه، كيف أكرهه وحتى إن اختلفت ديانتنا….

 

 

كيف أكره هؤلاء اليهود المدافعين عن الحق وأحب بعض المسلمين المزيفين للحقائق والمنبطحين للمحتل والذين يبيعون قضايا أوطانهم بكل خسة ووضاعة.. ولن أوجه لك سؤال قائلا، لماذا يكره بعض اليهود بعض المسلمين؟ فأنا هنا للتقارب والحوار ونشر الحب ولذكر حقيقة أنه بالرغم من اعتزازي بديني فأنا أحترم كل من يختلف معي بطريقة راقية فالحوار الراقي البناء سبيل للتقارب بين الشعوب وللقضاء على الأفكار الفاسدة التي تدعو للدموية وللعداء وأنت بسؤالك هذا ارتكبت خطأ التعميم وهو من أسباب عدم التقارب بين الشعوب.

 

 

ثم سألتني سيدة تتجاوز الخمسين عاما قائلة “إذا كان الإسلام يدعم الحريات كما تذكر فلماذا يعادى المثليين؟” والمثليين هم الشواذ من الرجال والنساء، فقلت لها سامحيني إن أردت أن أسأل الحضور عن النبي لوط عليه السلام فوجدت أن القليل جدا من الحضور يعرفه، فسألتهم من يعرف النبي إبراهيم عليه السلام فرفع الجميع أيديهم فقلت لهم إن نبي الله لوط هو ابن أخ النبي إبراهيم وكان هو أول من أمن به وهاجر معه برفقة سارة زوجة النبي إبراهيم ثم سردت لهم باختصار قصة النبي لوط عليه السلام.

 

 

لوط عليه السلام، هو ابن أخي إبراهيم عليه السلام، وقد آمن لوط مع إبراهيم وهاجر معه إلى الأرض المقدسة (فلسطين)، وقد أمر إبراهيم لوطاً أن ينزل بمدينة تسمى سدوم (عند البحر الميت)، وحتى بالنظر لكلمه اللواط باللغة الإنجليزية نجد أنها (سودومى) وهى مشتقة من اسم المدينة التي عاش بها قوم لوط حيث كان قومها من أفجر الناس وأكفرهم وأسوأهم، وقد ابتدعوا فاحشة الشذوذ الجنسي، وذهب لوط وزوجته وابنتيه إلى هذه القرية ليدعوهم إلى الله ولينتهوا عن هذه الفواحش، وكانت القرية تمارس الشذوذ الجنسي، حيث يأتي الرجال الرجال، ويتركون ما خلق الله لهم من الزوجات، فأصيبوا بانحراف في فطرتهم، وكفروا بالله وما أحل الله لهم، وراحوا يفعلون هذا الفعل القبيح، ويجهرون به علناً دون حياء، وكانوا أول من فعلوا هذا الشذوذ، وما سبقهم بها من أحد من العالمين.

 

 

كان هؤلاء  القوم يجلسون في طرقات المارة والمسافرين، ويقطعون عليهم الطريق، ويجبرونهم على ممارسة الشذوذ وكان لهم نادي مخصص لهذا الشذوذ، يجتمعون في هذا النادي ويفعلون المنكر، وكانوا يفضلون الشباب أصحاب الهيئة الحسنة والوجه الجميل ولا يتورعون عن فعل ذلك مع الغرباء والوافدين للقرية، وقد فشا في القوم هذا المنكر، وليس من بينهم من ينهاهم عن هذا الشذوذ، وكانت مهمة نبي الله لوط صعبة، فبعدما استقر وأهله في هذه القرية لتنفيذ مهمته، دعاهم إلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، ونهاهم عن تعاطي هذه المحرمات، والفواحش المنكرات، لكن القوم رفضوا دعوته وحاول لوط إقناعهم كما فعل الأنبياء والرسل، وحذرهم من عاقبة الكفر بالله والخروج عن شريعته، ومخالفة أوامره، لكنهم تمادوا في ضلالهم وطغيانهم وكان لوط يحبب لهم اتباع الفطرة السوية، وإشباع الشهوة بالطريق الصحيح عن طريق النساء، فهي شهوة طاهرة، أما إتيان الذكور، فهو شذوذ يجلب المرض والعقوبة، فراح القوم يسخرون من لوط ودعوته،ولم ييأس لوط رغم سخرية القوم الغريبة والتي جعلوا فيها غاية المدح ذماً بأنهم أناس يتطهرون، واستمر جاهداً لإثناء القوم عن فحشهم وراح لوط يحذر المارة والمسافرين أن يدخلوا هذه القرية حفاظاً عليهم، وإذا دخلها غريب حاول إثناءه وتحذيره من مسلك رجال القرية ولما رأي القوم عزيمة وإصرار لوط، سألوه –كما سألوا من قبله- ماذا تستفيد من هذه الدعوة، وما الأجر الذي تحصل عليه من دعوتك هذه؟ فقال لوط: أنا نبي الله، جئت ناصحاً أميناً لكم، وخوفاً عليكم من أن ينزل عليكم عقاب الله، وما أبتغي من وراء ذلك أجراً من أحد، إن أجرى إلا على الله، فاتقوا الله وأطيعون ولكن القوم كذبوه، وطلبوا منه أن يتوقف عن أقواله وأفعاله التي تغير نظام القرية، ولا يتدخل في شأنها، وبلغ فجر القوم أن هددوا لوطاً بأنه إن لم ينته عن كلامه هذا، سيطردونه من القرية.

 

 

واستضعف القوم لوطاً حيث لم يكن له أقارب في هذه القرية يساندونه أو يمنعوا عنه إيذاء القوم الذين تمادوا في فحشهم، وتجرئوا في شذوذهم، وقالوا له ساخرين: ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين وطلبوا من لوط إن جاءه ضيوفاً من الرجال أن يسلمهم لهم ليمارسوا معهم الشذوذ، لقد أصبحوا كمن ذهب عقلهم وشعر لوط بالكرب لأن قومه لم يستجيبوا لدعوته، وزادوا العداوة معه، وكانت زوجة لوط تميل إلى هوى القوم، وتدعو لوطاً أن يتركهم وشأنهم..

 

 

رفع لوط يديه إلى الله شاكياً كذب القوم له، ودعي الله أن ينصره على القوم المفسدين، وأن ينجيه وأهله من أفعال هؤلاء المجرمين،

 

 

واستجاب الله لدعوة لوط، وأنزل ملائكة في هيئة بشر، وكانوا في هيئة شباب حسني الهيئة والجمال، وذهبت الملائكة أولاً إلى إبراهيم عليه السلام تخبره أن الله أنزل الهلاك على قوم لوط ، فقال إبراهيم: وكيف ينزل الهلاك على قوم وفيهم مؤمن، إن فيها لوطاً، قالت الملائكة: نحن أعلم بمن فيها، لننجينه وأهله إلا امرأته، ووصلت الملائكة إلى قرية “سدوم” وهم في هيئة شباب من البشر، وعند مدخل القرية لقوا ابنة لوط فقالوا لها: يا جارية هل من منزل؟ فقالت لهم: مكانكم لا تدخلوا حتى آتيكم، فرقت عليهم من قومها، فأتت أباها فقالت: يا أبتاه، أرادك فتيان على باب المدينة، ما رأيت وجوه قوم قط هي أحسن منهم، لا يأخذهم قومك، فيفضحوهم. وقد كان قومه نهوه أن يضيف رجلاً …

 

 

أسرع لوط إلى هؤلاء الشباب، وحاول أن يثنيهم عن دخول القرية فلم يفلح، فاستضافهم سراً إلى بيته دون أن يعلم أحد من قومه، لكن زوجة لوط فشت السر وأخبرت بعض القوم أن في بيتها رجالاً ما رأت مثل وجوههم قط ، وانتشر الخبر بين القوم، وهرولوا مسرعين نحو بيت لوط، وراحوا يدفعون باب منزله للهجوم عليه، وقالوا: يا لوط أخرج لنا ضيوفك الشباب، لقد علمنا بوجودهم، وقد حذرناك من قبل ألا تستضيف رجالاً، وشعر لوط بفزع وشفقة على ضيوفه ونادى قومه من خلف الباب: يا قوم اتقوا الله ولا تخزون في ضيفي، أليس منكم رجل رشيد؟ اتركوا هذا الفعل الفاسد، وتزوجوا من بناتي وبنات القرية، هن أطهر لكم فقالوا: يا لوط ما نبغي بناتك وأنت تعلم ما نريد، فافتح الباب وإلا سنكسره فالتصق لوط بالباب من الداخل ليمنع القوم أن يفتحوا الباب…..

 

 

فقال الضيوف: يا لوط إنا رسل ربك، فلا تخف ولا تحزن، لن يصلوا إليك ولن يتمكنوا منك. وقام ملك بدفع القوم بضربة أعمت أبصارهم، فانصرفوا متوعدين لوطاً بالانتقام منه وأمرت الملائكة لوطاً أن يخرج ليلاً هو وأهله إلا امرأته فإنه مصيبها ما سيصيب القوم من الهلاك، ولا يلتفت أحد منكم إلى القرية ولما حان وقت متأخر من الليل خرج لوط وبناته من القرية التي تفعل الخبائث، وجاء أمر الله مع شروق الشمس، ونزلت صيحة العذاب على القوم فقد نزل من السماء مطر من جهنم، هذا المطر هو عبارة عن حجر صغير من طين لكنه من سجيل صلب ينزل بشكل متتابع ومتتالي، وكل حجر مسوم أي عليه اسم صاحبه الذي سيهلكه، فيسقط عليه فتزهق روحه ونزل البأس بالقرية، وانفجر بنيانها، وانقلبت على أعقابها، وجعل الله عاليها سافلها، وتدمرت القرية وترك الله منها أجزاء متبقية للعظة والعبرة عبر الزمان، وترك فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم …..

 

 

وعندما نتأمل ما حدث في الماضي البعيد لقوم لوط من تدمير نتيجة شذوذهم ما يكون منا إلا أن نبحث في العلم لنعرف عواقب الشذوذ وعلينا أن نضع الأديان جانبا فالإسلام والمسيحية واليهودية ترفض الشذوذ وأنا أطلب منك يا سيدتي البحث في المسيحية واليهودية أولا قبل التطرق لرأى الإسلام في هذا الأمر فلا يعقل تحميل الإسلام وحده هذا الأمر دون باقي الأديان وفى النهاية لا بد أن نذكر أن كل دين يحمل معه بعض المسئوليات لأتباعه والخيارين الذين لا ثالث لهما إما تحمل تلك المسئوليات أو تركها وبتركها نترك الدين دون شعور.

د. محمود حجازي

من د. محمود حجازي

كاتب مصري، وباحث في دراسات الشرق الأوسط بالولايات المتحدة