د. ممدوح المنير

لولا أن القصة صحيحة ما صدقتها، لم أتخيل أن يكون شهوة المال أو الطمع والجشع هكذا.

اختلف رجلين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على نخلة يملكها أحدهما ويريد الآخر وهو شاب يتيم شراءها

لأنها كانت تقطع السور الذي يبنيه حول بستانه، فتحاكما إلى الرسول الكريم، 

فطلب من جاره صاحب النخلة أن يسمح له ببناء السور حولها أو يبيعه إيّاها، فرض الرجل طلب النبي صلى الله عليه و سلم!

فأعاد عليه الطلب و أصرّ الرجل على رفضه!!!

فقال الرسول له (بِعْ له النخلة ولك نخلةٌ في الجنة يسير الراكب في ظلها مائة عام)،

فذهل الصحابة من هذا العرض فمن يرفض شراء الجنة بنخلة واحدة و تكون له فيها نخلة بهذا الوصف الرائع؟!

لكن الرجل رفض  لم يرد الجنة و لا نخلتها التي يمشي الرجل في ظلها مائة عام!!!

لقد أراد ثمن النخلة دراهم معدودة فحسب،

هذا كل ما يسيطر عليه،  نبي الله الأعظم يقف أمامه ويلح عليه في بيعها مقابل الجنة ولكنه يرفض!

وهنا يأتي الصحابي الجليل أبو الدحداح ويقول لهذا الرجل:

أتعرف بستاني يا هذا؟

فقال الرجل: نعم، فمن في المدينة لا يعرف بستان أبي الدحداح ذا الستمائة نخلة والقصر المنيف والبئر العذب والسور الشاهق حوله.

فقال له تبيعني نخلتك مقابل بستاني كله  وقصري و بئري؟

فذهل الرجل ووافق و تمت البيعة.

فقال  الرسول لأبي الدحداح  ما معناه

«الله عرض نخلة مقابل نخلة في الجنة, وأنت زايدت على كرم الله ببستانك كله، وَرَدَّ الله على كرمك -وهو الكريم ذو الجود-

بأن جعل لك في الجنة بساتين من نخيل يُعجز عن عدها من كثرتها» ( الألباني)

اذا تأملت حولك ستجد ملايين البشر في عين كل واحد منهم نخلة لا يرى غيرها،  يطوف حولها كل يوم حتى يصيبه اللهاث والإعياء.

تأمل في واقع الناس من حولك،

ستجد كل أشكال الظلم والجشع والأثرة من أجل هذه النخلة التي تملأ المشهد أمامه حتى لا يرى لكلام الرسول ولا الجنة ذاتها  ثمن لها.

حين قرأت هذا الحديث لم أعد اندهش حين يقتل الأخ أخاه من أجل المال،

أو الزوج الذي يترك زوجته وأولاده ويسافر عشرات السنين لجمع المال ويتركهم بلا رعاية،

أو الزوجة التي تدمر بيتها بيدها وتتسبب في أزمات نفسية لأطفالها بحثا عن مال زائل أو تاجر يغش ويكذب ليكسب المال الحرام.

يقول المولى عز وجل (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا﴾ الفجر، انه الحب الشديد الذي لا مثيل له.

إنه حب الدنيا الذي استولى على هذا الرجل البائس فباع الجنة بنخلة!! فمتى يبيع كل منا نخلته (حب الدنيا)

ويشتري الجنة، عندما أخبر أبو الدحداح زوجته بما فعل قالت له ربح البيع، نعم ربح البيع يا أبا الدحداح.

من د. ممدوح المنير

مدير ومؤسس المعهد الدولي للعلوم السياسية والاستراتيجية، خبير دولى فى مجال التنمية البشرية