إن من أساسيات، وأوليات، وأبجديات الإعلام.. أن يقول الإنسان – أيا كان – ما يشاء، وأن يعبر عن رأيه، ويطرح أفكاره ورؤاه وتصوراته بحرية تامة، في جميع القضايا التي تهم الأمة – سواءً كانت سياسية أو فكرية أو اقتصادية أو اجتماعية أو دينية -.

 وأن يكتب منتقداً أي جهةٍ – سواءً كانت فرداً أو جماعة أو هيئة رسمية أو جمعية خاصة – بكل حرية ضمن المعايير الأدبية والأخلاقية والدينية المقررة في منهاج الله تعالى.

وأنْ يُسمح لأي إنسان – بغض النظر عن عقيدته، ودينه، وعرقه، ورأيه – أن يُبديَ رأيه بحرية تامة.. وأن يتم نشره بدون أي تحفظ، ولو خالف رأي الجهة الناشرة،

طالما أنه لا يتعدى الخطوط الحمراء الثلاث المعروفة وهي: التهجم على الله تعالى، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى دينه.

إن حرية الإنسان في إبداء رأيه، وعرض أفكاره على الملآ أجمع، هي: من أغلى ما أعطاه الله تعالى للإنسان، ومن أعظم ما كرمه الله للإنسان.

ولهذا! فإن حرية الرأي مصونة في دين الله تعالى، لا يجوز لأي إنسان، أو أية جهة أن تغتصبها،

أو أية سلطة أن تقمعها، أو تكبتها، أو تصادرها، أو تحرمها من الإنسان – أيا كان الإنسان متعلماً ولديه شهادات عليا، أو كان أمياً -.

فقد اعترضت امرأة لا تحمل شهادات علمية، على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، حينما أراد أن يُحدد المهور،

فقالت له بكل جرأة، وقوة، وعنفوان: يا عمر ربنا يعطينا بالقناطير،

وأنت تريد أن تحرمنا من ذلك؟! فقال عمر معترفاً بخطئه: (أصابت امرأة وأخطأ عمر).

ومن ثم قال قولته المشهورة (كيف تستعبدون الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟) للدلالة على قيمة الحرية في الإسلام.

عدم حيادية الجهة التي تمنع النشر

وأية جهة! تمنع نشر ما يخالف هواها، ومزاجها، ورأيها.. فإنما هي جهة غير حيادية؛

ولا عادلة ولا تتمتع بالصفات الخلقية الرفيعة ولا بالمنهجية الإنسانية المتحضرة الراقية بل تسير على خطى الجهات الاستبدادية العالمية؛

التي من جِبِلتها، وطبيعتها.. أن تقمع الرأي الحر الآخر. لأنها تخاف منه؛

وترتعد فرائصها من صوته الهادر؛ المجلجل؛ المزلزل.. فلا تجد مناصاً، إلا أن تكبته، وتحظره، وترفض نشره.

إن الإنسان بفطرته، يحب المدح، ويعشق الثناء، ويستمتع بتمجيده وتعظيمه، وينفر ممن يذمه، ويبتعد عمن يهجوه أو يقدحه.

لذلك تجد الطواغيت.. يستخدمون كل موارد الدولة، لمدحهم، وتعظيمهم، وتمجيدهم! ونشر صورهم وتماثيلهم وأصنامهم في كل مكان.

ولصاحب الرأي الحر.. الحرية الكاملة، لأن يستخدم كلا الأسلوبين، حسبما يقتضيه المقام. ولا ينبغي له،

أن يقتصر على أسلوب المدح فقط في كل الظروف، وفي كل الأحوال، ومع كل طبقات الناس على السواء..

وإلا! يكون قد خان أمانة الرأي الحر، ودَلَّس على الناس، ولبَّس الحق بالباطل، وأضل الناس وخدعهم.

فحينما تعترض المفكر الحر.. بعض المواقف الشاذة، والمنحرفة، ويعتقد اعتقاداً جازماً أنها خاطئة..

فيجب عليه شرعاً، وإنسانياً، وأخلاقياً، وأدبياً، وإعلامياً، وسياسياً، أن يجهر بقول الحق، لا يخاف لومة لائم.

 وأن يقول لمن يتبنى، ويؤيد تلك المواقف الخاطئة.. أنتم خطاؤون، وأنتم في ضلال مبين، وألا يجاملهم، ولا يداهنهم،

ولا يطبطب على شهواتهم، ولا يربت على أكتافهم.. قائلاً: أنتم صالحون، وطيبون، خوفاً من اتهامه بالغلظة والشدة.

فإذا فعل ذلك مخافة كلام الناس.. فقد خان أمانة الرأي الحر، ودلس على الناس، ولَبَّس الحق بالباطل.