رانيا مصطفى

كل عام تظهر مجموعة من المبادرات والدعوات الثورية على مواقع التواصل الاجتماعي، تلتف حولها مجموعة من مشاهير فيسبوك وتوتير، فتبارك كل محاولة، وتدفع من أجل تحريك الراكد، بغض النظر عن شخوص أصحاب المحاولة، وعن الراكد المراد تحريكه.

 

أسمي هذه المجموعة بفريق «الاصطفاف الملون»، فهي تجمع أطيافا غير متجانسين، تختلف مشاربهم، لكنهم يجتمعون على فشل جماعة الإخوان المسلمين، بداية من علمانيين معترفين بيونيو ومتبرئين من يوليو، وإسلاميين يرون أن أبو إسماعيل كان الأجدر بالرئاسة، وأعضاء لحزب الوسط، وأعضاء للجماعة الإسلامية، وصولا إلى أعضاء من جماعة الإخوان يتفاهمون مع كل من سبق نكاية في قيادات جماعتهم لخلافهم معها.

 

يدعو هذا الفريق للتسامح ورأب صدع الجماعة الثورية، والعودة بالجميع إلى أهداف ثورة يناير، والانطلاق منها نحو ثورة جديدة،ونسيان الماضي على أرضية أن الجميع قد أخطأ ولذا يجب أن تكبس الجماعة الوطنية جرحها بالبن.

 

يناقض الاصطفافيون أنفسهم، فهم يقرون بالوقوف إلى جانب الشرعية الديمقراطية، وبرفض الانقلاب العسكري، وفي نفس الوقت يدعون للتسامح مع شخصيات تزعمت انقلاب يونيو وخارطة طريق يوليو ويعيدون طرحهم كحل للانهيار السياسي المصري! يبذلون مجهودا جبارا في إيجاد قواسم مشتركة مع المنقلب، ويلحون على المنقلب عليهم ليتراجعوا عن الظهور السياسي وليجروا مراجعات، وليقدموا اعتذارات، وليعترفوا بالهزيمة؛ يسعون لترقيق قلب من يتكبر، وتمزيق أوصال من لان!

 

ومن أوجه التناقض أيضا، اعتبارهم أي حراك ثوري معركة نقاط، ضحاياه أبطال يكسرون حاجز الخوف، في حين أنهم هم من رفعوا هذا الحاجز حتى السماء عندما حكموا على خروج ثوري كاسح بعد الانقلاب بأنه غير مجد وأنه بمثابة دعوة إلى الموت دون ثمن وحملوا الداعين له مسئولية المعتقلين! إنهم يسيرون على نفس خطا من سبقوهم في كل اتجاه ثم يعتبرون أنهم أول المقتحمين للمجال!

 

يقبل داعمو الاصطفاف الملون الناقص على تأييد أي شخص أو حركة أو مؤتمر،المهم ألا يكون له علاقة بقيادات الإخوان المسلمين، فهم مثلا قد يفندون بتعقل مبادرة للسيد عنان أو البرادعي، أو نور، لكنهم في نفس الوقت لا يلمحون تصريحا ولا مبادرة لقيادة إخوانية إلا ويقللون من قيمتها ويسفهونها؛ كما أنهم يصنفون المعترضين على مسارهم كلجان الكترونية مرتزقة مندسة مؤجرة من قبل قيادات الإخوان المسلمين أو من قبل نظام السيسي بغرض شق الصف.

 

للأسف، يعمل الاصطفافيون دون دراسات جدوى ويرفعون شعار،لتقم الثورة أولا ثم لنرى وقتها ماذا سيحدث! وكأننا لم نجرب من قبل؟! أشبه دائما هذا الفعل بسائق شاحنة عملاقة ينقل حمولة ملتهبة في صحراء قاحلة ووسط أخطار جمة، ويتخذ قرارا بركوب الطريق دون ملء بنزين، أو اطمئنان على صحة موتور،أو نظافة زيت، أو نفخ إطارات، أو الإطلاع على حالة الجو، أو التأكد من خريطة الطريق، ولا يكتفي بذلك، بل يرافق ويسترشد بقطاع طرق يعلم تاريخهم الأسود من سطو مسلح وذبح وافتعال حوادث، ثم يتهم ناصحيه أنهم من أهل الشر الذين لا يريدون له الخير!

 

إن رفض السير في طريق تتناثر على جانبيه الجماجم والهياكل العظمية، والابتعاد عن مرافقة أكلة لحوم البشر ليس سواد قلب، بل هو أبسط بديهيات التعقل، فنحن لا نلعب الغميضة، ولا «كهربا شد الكوبس»! إنا نناقش أحداثا تضيع فيها أعمار،وتهرق دماء، وتفجع أمهات وتترمل نساء ويتيتم أطفال؛ فإذا لم يكن المتحدثون في شأن التغيير على قدر هذه المسئولية فعلى الأقل لا يلوموا من يضع خرائط وسيناريوهات مختلفة لكل ما هو معروض على الساحة.

 

يظن المصطفون أن مؤازتهم لكل داع كركض هاجر بين الصفا والمروة على أمل إيجاد مخرج، بينما هم في الحقيقة يتصرفون كالطفل الذي كان يصرخ -لاعبا- على المارة كي ينقذوه حتى ملوا وتركوه يغرق.

 

يحظى المصطفون بدعم إعلامي قوي من قبل قنوات ومواقع تكتسب شعبيتها من معارضة النظام الانقلابي، وذلك لاتفاق وجهات نظر الطرفين على مسألتين أساسيتين، أولا أن الرئيس مرسي رحمه الله كان رجلا درويشا لا يصلح للحكم خدعه السيسي، وثانيا أن قيادات جماعة الإخوان فشلت قبل، وأثناء، وبعد الثورة والانقلاب؛ يؤكد الطرفان على بث فرية أن العالم كله كان يرى تفاصيل المؤامرة إلا الإخوان، وبهذه الطريقة وقع المشاهد في فخ الانتقاص من قدر أكبر كتلة شعبية مؤثرة توازي كتلة العسكر.

 

إن نفي جماعة الإخوان المسلمين خارج دائرة السياسة كان مطلب الفريق العلماني منذ بداية الثورة وحتى الانقلاب، وقد أختيرت الوجبة الإعلامية المضادة للانقلاب بعناية من فئة المصطفين، الذين وصلوا تدريجيا من دعم الشرعية إلى محوها، ليصلوا بذلك إلى نقطة الالتقاء مع العلمانيين الذين ارتكبوا فاحشة يونيو كإصلاح لمسار ثورة يناير الذي أتى بالإسلاميين.

 

وأتساءل،هل يجب أن يقبل الناس زعامة وجوه خائنة، أو متخاذلة، أو بهلوانية، أو ضعيفة، أو قافزة من سفينة حكم شرعي؟ بمعنى هل يعقل أن ينقلب رجل على اختيار شعب ويستدعي دبابة، أو يهيج آخر الناس على حكم غير مستقر بعد ثورة، ثم يطالب الشعب المدهوس أن يقبل أحد الرجلين كزعيم يقدم حلا ديمقراطيا؟

 

يبرر المصطفون دعمهم تلك الوجوه بأن أحدا لا يقدم نفسه كبديل، وهذا غير صحيح، فالبديل كان موجودا ومازال، لكنهم يستبعدونه. إن الإخوان المسلمين في أسوأ أحوالهم  كصانع الألعاب في مباريات كرة القدم، لذلك لا يصح إن أردت أن تكسب مباراة نهائية أن تجلسهم على دكة البدلاء.

 

كما قلت مرارا لا أرفض الاصطفاف، ولا أكره عودة من ضل، ولا أقلل من قيمة الحوار الهادف، لكن الإصرار على استبعاد المحترف الوحيد، واستجداء رضا فريق لم ينقلب لخطأ في حساباته، بل طمعا في أن يسقط حكم مصر في يده مع سبق الإصرار، ويجعل يونيو ويوليو محطة انطلاق، هو مضيعة للوقت والجهد والطاقة. إن أردتم اصطفافا فليكن كاملا عاقلا نظيفا.