اجتمعت فصائل الثورة -المتنافرة في كل شيء- من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار على نقطة فاصلة هي أصل كل الشرور، ألا وهي أن مرسي لم يكن يسمع سوى صوت جماعته، وأنه لسذاجته المفرطة صدق الجيش بل وعين منه قائدًا للقوات المسلحة ليتحول إلى زعيم للانقلاب عليه فيما بعد.

 

وأتساءل، هل يمكن لرجل يحمل تاريخًا كتاريخ مرسي مع هذه الجماعة التي طالما نكل بها هذا النظام العسكري على مدى ستين عامًا، أن يكون بهذه السذاجة؟!

 

أسوق إليكم بعض الشهادات التي قرأها الجميع، وأعجب أنها لم تؤثر في تعديل وجهات نظر تيبست عقول أصحابها في ذات الوقت الذي حكموا فيه على جماعة الإخوان بتصلب الرأي، وعدم المرونة!

 

أولًا، شهادات ثلاث للأستاذ أسامة فتحي حمودة -على صفحة الأستاذ هيثم أبو خليل- وكان مساعدًا للدكتور عصام الحداد كمتطوع في مجال التعاون الدولي.

 

الأولى، شهادته بما سمع من الدكتور عصام عن سر تعيين السيسي، وأنه كان ثمنًا لإطاحة عنان وطنطاوي، وعن واقعة شخصية له مع الدكتور مرسي في 23 مايو 2013 حين سأله عن مدى ثقته بوزير دفاعه، فأجابه الرئيس: «وهل يوجد إنسان عاقل يثق بشخص كهذا؟».

 

والثانية، أنه في الأسبوع الأول من شهر أبريل 2013، أي بعد ثلاثة أشهر من واقعة عرض المهندس أبو العلا ماضي، والدكتور محمد محسوب تعيين البرادعي أو عمرو موسى رئيسًا للوزراء، في حوار دعا له الرئيس مرسي لبحث أزمة الإعلان الدستوري، ورفض مرسي لهذا العرض، يقول الأستاذ أسامة أن الدكتور عصام الحداد استأذنه ليلتحق باجتماع للرئيس مرسي بالبرادعي، والذي عرض عليه فيه رئاسة الوزراء فرفض البرادعي المنصب بترفع وقال لمرسي: «إنكم يا دكتور مرسي كإخوان تمثلون القوة السياسية الوحيدة على الأرض في مصر، ولا يوجد قوة أخرى سوى الجيش وحتمًا سيحدث بينهما صدام وساعتها ولكي تتجنب مصر الأهوال فلن يكون هناك حل إلا تسليم البلاد بكاملها لي، فلماذا أقبل هذا المنصب في حين أن البلد كلها ستكون في يدي».

 

والثالثة، كانت شهادته على لقاء دكتور عصام الحداد بالرئيس الأمريكي أوباما في مارس 2013، حيث طلب منه الأخير أن يلتقي الرئيس مرسي بنتنياهو في البيت الأبيض في إطار بحث الحقوق الفلسطينية، فقط للظهور الإعلامي دون تنازل، وأن يعين البرادعي رئيسًا للوزراء ليخفف من حالة الاحتقان، وأن يسترضي القضاة. وعرض استعداده للمساعدة عبر الاتصال المباشر بالقضاء!

 

وثانيًا، شهادات متتالية للكاتب الكبير وائل قنديل الذي حضر جلسات الحوار الوطني التي سبقت الانقلاب، والتي وصفها بأنها كانت في ضوء النهار وليست بغرف مظلمة، وكان مرسي قد أعلن موافقته المسبقة على ما سينتهي إليه الحاضرون فيها دون نقاش، وذكر قنديل أنه عندما لم تقبل جبهة الإنقاذ الحضور عرض عليهم مرسي أن يذهب مستشاره محمود مكي للقائهم في مقارهم، ولكنهم رفضوا لأنهم كانوا قد حسموا أمرهم أن 30 يونيو ستكون نهاية نظام مرسي. أشار قنديل في إحدى مقالاته إلى ما أكده الإعلامي أحمد منصور فيما بعد؛ أن مرسي في أحد لقاءاته بهم أشار لهم أن هناك ميكروفونات تجسس حيث يجتمعون، بما يعني أن يلاحظ كلٌّ منهم ما يتفوه به.

 

وثالثًا، شهادة للدكتور محمد محسوب أنه في لقاء جمع بعض ممثلي الأحزاب عرض الدكتور الكتاتني ما عرضه عليهم الجنرال بأن يتنحى مرسي، وأن يحصل على مخصصات رئيس الجمهورية معززًا، كما عرض عليهم المشاركة في الحكومة ببعض الحقائب الوزارية، وألا يتم المساس بالجماعة أو الحزب، وأعلن الدكتور الكتاتني رفضهم تسليم الحكم لانقلاب عسكري، وأن الرئيس وافق على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة إلا أنه طلب أن تكون بعد 15 يومًا حتى لا يحدث فراغًا في السلطة لن يملؤه إلا الجنرال نفسه، وسيتحكم في نتيجة أي انتخابات تتم تحت سيطرته، وأنه كان موافقًا على هذا العرض بعد انتخابات البرلمان التي كانت لا تحتاج سوى ثلاثة أشهر.

 

ورابعًا، شهادة للدكتور يحي حامد -وزير الاستثمار في حكومة الدكتور هشام قنديل- في أحد لقاءاته على قناة الجزيرة حين هاله ما رأى من أحداث الاتحادية؛ فتساءل هل انتهى الأمر؟ فرد الرئيس عندما ترون دمي يسيل يكون كل شيء قد انتهى.

 

وأخيرًا، شهادة الدكتور ياسر علي أن مرسي لم يكن درويشًا ساذجًا، وأن ما أشيع عن أن أحد الزعماء نقل إليه معلومات عن انقلاب ضده تفتقر إلى الصحة، وأن جلّ ما حدث أن دبلوماسيًّا عربيًّا نقل إليه تخوفاته من إصراره على عدم التواصل المباشر مع الكيان الصهيوني، وأشار عليه أن يتراجع عن سحب السفير المصري وعن دعمه لغزة، وذكر أن مرسي كان يرى أن مصر تحتاج لإعادة هندسة العلاقات المدنية العسكرية، وأنه كان متوجسًا كما الجميع من تشويه المشهد الديمقراطي الذي كسبناه بعد ثورة يناير، فهو لم يتفاجأ كما يروج البعض بما حدث في 3 يوليو. أكد الدكتور ياسر علي أنه لم يكن هناك اتصالًا بين الرئاسة، وجماعة الإخوان أو حزبها حتى وصل الأمر لخلاف مع الإخوان حول قرارات اتخذتها الرئاسة -وكلام «عليّ» هنا يطابق كلام العميد طارق الجوهري رحمه الله -قائد حراسة منزل الرئيس مرسي- حين أكد في أكثر من حوار أن مرسي لم يستقبل أي من أعضاء جماعته سوى مرتين: مرة بمحمد بديع مرشد الإخوان، ومرة بخيرت الشاطر، وكان اللقاءان بشكل شخصي في ظروف مرضه، ولم يستمر اللقاء سوى لفترة وجيزة جدًّا.

 

هذه فقط بعض أبرز الشهادات، وإن تذرع أحد بأنه لا يصدق شهادات مؤيدي الشرعية لانحيازهم، فماذا عن سيل الشهادات والاعترافات المتتالية للانقلابيين من أول رئيسهم إلى أصغر إعلامييهم وضباعهم، بأنهم لم يأتمروا بأمر مرسي، وأنهم لم ينفذوا أيًّا من قراراته؟!

 

تلك شهادات توضح أن الرجل لم يكن ساذجًا، فقد كان يعلم حقيقة وزير دفاعه، ويدري حجم الضغوط الخارجية عليه، ويدرك أن انقلابًا يحاك ضده، ويتحكم في تصريحاته حتى في الغرف المغلقة لعلمه أن هناك من يتجسس عليه؛ فضلًا عن أنه لم يصم أذنيه هو ومن اختارهم من جماعته، أو من انتخب الشعب منهم عن آراء غيرهم، فقد نادى على الطرف المعارض فأبى واستكبر، ونادى على من احتسبوا على معسكر مؤيديه فغرتهم حيادية زائفة وإعجاب برأي. وحقيقة، إذا ما نظرنا للأمر بموضوعية وحيادية، نجد أن الرجل لم يكن ديكتاتوريًّا بقدر أطراف أخرى منها من ينتمي لمعسكر الشرعية، ومنها من ينتمي لمعسكر الثورة المضادة.