ربيع عبد الرؤوف الزواوي

في عام ٢٠٠٢ أرسل إليّ محمد الشارخ صاحب شركة صخر أوراقا عن موضوع الأرقام في القرآن الكريم وقضية شيفرة القرآن!

ويطلب رأي شخصي الضعيف في ذلك؛ حيث كان أرسلها إليه باحث متعمق في هذا الموضوع، وكان يريد أن تتبنى الشركة تنفيذ برنامج حاسوبي فيه.

فأجبته بما يلي:

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آلة وصحبه ومن والاه..

وبعد..

فبخصوص ما أرسلتم من ورق بشأن شيفرة القرآن الكريم وبناء على طلبكم بالدراسة والإفادة.. أقول- وأرجو أن تقبّلوا رأيي الشخصي بصدر رحب وبلا مؤاخذة- :

– موضوع البحث عن الأرقام في القرآن الكريم موضوع قديم لا طائل من ورائه ولا يترتب عليه عمل.

– كل المحاولات التي تمت بهذا الصدد من أسف أنها تكلفت أمورا لم تُبنى على قواعد علمية ولا منطقية، مثل:

نجمع كذا..

نعكس الناتج..

نقسم على كذا..

نضرب في كذا..

وهلم جرا..

ولا أدري لماذا يجمع؟

ولماذا يعكس؟

ولمـاذا يضرب؟

لماذا لم يكن كذا وكذا بدلا من كذا؟!..

– يبنون في محاولاتهم على أمور غير صحيحة علميا؛ مثل تحديد السنة الشمسية بـ ٣٦٧ يوما، والعادية بـ ٣٦٥ يوما،

وهذا كلام يخطئه خبراء الفلك ولذلك كانت فكرة جعل فبراير ٢٩ يوما كل أربع سنوات للتخلص من هذه المشكلة.

– لم يرد نص شرعي؛ آية أو حديث واحد فيه أمر أو إشارة من بعيد أو قريب لاستحباب أو فائدة لهذه الظنيات،

بل ورد ما يفيد العكس مثل قول الله تعالى بعد ذكر عدد خزنة جهنم الـ ١٩ فقال: (وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا).

بل عقل الكافر لا تزيده الأرقام إلا كفرا؛ بدليل قول المشركين عن الـ ١٩ لماذا لم يكونوا ٢٠؟ وورد غير ذلك فأنزل الله الآية السابقة.

– بنوا هذه الظنيات على نظريات قابلة للخطأ، فإن ظهر خطؤها هل نخطيء القرآن؟!..

– كثرت مثل هذه الدراسات اليوم لـمّا نقص اليقين عند المسلمين أنفسهم، وبما وصلوا إليه من تخلف،

فأرادوا أن يقدموا القرآن في ثوب العمليات الحسابية المعقدة فتنة منهم بالحاسوب الآلي، وتأثرا منهم بالعقل والفكر الغربي مع أن الله تعالى قال:

(وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) والأفضل هو التمسك به والعمل وفق منهجه وليس لوي أعناق النصوص المقدسة لاستخراج ما لم تنزل له.

وقد كان العلماء قديما يفتون مستشهدين بنصوصه الصريحة ومع ذلك كانوا في منتهى الخوف من الوقوع في الخطأ حتى كان الإمام مالك يردد كثيرا بعد أي فتوى:

(إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين) فكيف بنا اليوم نظن ولا نخاف ؟!..

– لا يغيب عن عقولنا تجربة النبي المزيف الهالك رشاد خليفة عندما بدأ من زمن بعيد في هذا الموضوع،

وكان نهاية غروره ادعاء النبوة! وكان المدخل من أسمه حيث قال أنا على الرشد وأنا خليفة الرسل!.

القرآن فيه أسرار لا تنتهي

– القرآن الكريم كتاب هداية وإرشاد وبناء وتربية وليس طلاسم وأرقام وشفرات.

صحيح القرآن فيه أسرار لا تنتهي وعجائب لا تنقضي ولكن هيهات أن يجعلنا ذلك نتكلف ما لا برهان عليه.

– فكرة إعطاء أرقام للحروف الهجائية فكرة قديمة، وقد بناها العرب في فترة معينة بناء على أسماء ملوكهم من حمير؛

أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ.

وجدوا أن أسماء ملوكهم الثمانية اشتملت على الحروف الهجائية الثمانية والعشرين فقالوا نرقم هذه الحروف على ترتيب أسماء ملوكنا هكذا:

الألف = ١

الباء = ٢

الجيم = ٣

الدال = ٤

الهاء = ٥

الواو = ٦

الزاي = ٧

الحاء = ٨

الطاء = ٩

الياء = ١٠

الكاف = ٢٠

اللام = ٣٠

الميم = ٤٠

النون = ٥٠

السين = ٦٠

العين = ٧٠

الفاء = ٨٠

الصاد = ٩٠

القاف = ١٠٠

الراء = ٢٠٠

وهكذا إلي آخر حرف وهو الغين = ١٠٠٠

وقالوا هكذا نحسب بالحروف..

فلفظ الجلال الله مثلا: = ١ + ٣٠ + ٣٠ + ٥ = ٦٦

فإذا كان أصل ترقيم الحروف قديما كما ترى ظني واصطلاحي ولا ضابط له سوى الاتفاق فيما بينهم؛

فكيف يوهمنا اليوم البعض بلغة جديدة لترقيم الحروف (وهو ما سماه بالترميز) والأمر كله مجرد اتفاق زمني على شيء؟!..

وليت الباحث يسعفنا بهذه القاعدة الأساسية التي بنى عليها ترميزه للحروف،

 وقد قال الباحث: أما سلاسل الأرقام فقد اكتشفتها بأسلوب علمي منهجي.

وهذه هي أقوى كلمة في الرسالة كلها (طبعا تحتاج للبرهان) والباقي كله يغني أوله عن آخره.

ولا شك أن هذا جهد من الباحث مأجور عليه إن شاء الله، ولكن لا أرى فيه فائدة ولا أحبذ أن تفتح مؤسساتنا الموفقة هذا الباب. وفق الله الجميع لما فيه رضاه..

وتفضلوا بقبول وافر الاحترام..

ربيع

٤/ ٣ / ٢٠٠٢

ولا يزال هذا هو رأيي لليوم مهما حاول بعض الناس أن يقنعنا بغير ذلك..