سيف الهاجري

قال سيد قطب رحمه الله في «معالم على الطريق» (لا بد من قيادة للبشرية جديدة!.. إن قيادة الرجل الغربي للبشرية قد أوشكت على الزوال.. لا لأن الحضارة الغربية قد أفلست ماديا أو ضعفت من ناحية القوة الاقتصادية والعسكرية ولكن لأن النظام الغربي قد انتهى دوره لأنه لم يعد يملك رصيدا من القيم يسمح له بالقيادة).

 

هذا ما رآه رحمه الله  قبل نصف قرن من حال النظام الدولي الذي أقامه الغرب من منظوره بانهيار منظومة القيم والأخلاق للغرب وشيوع المادية والإلحاد.

 

فالمسيحية في الغرب تحولت من كونها توجه المجتمعات الغربية وأنظمتها السياسية كدين وعقيدة إلى كونها ثقافة وفكر فتحت الطريق للأفكار السياسية المادية كالليبرالية والعلمانية والرأسمالية لتحكم مؤسسات الدولة في الغرب!

 

فالكنيسة الغربية الكاثوليكية والبروتستانتية ومنذ تحالفها مع حكومات القوى الغربية بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت جزءا من المنظومة الإمبريالية الغربية المادية وأعطت المبرر الأخلاقي لسياسات القوى الغربية لفرض هيمنتها على العالم تحت غطاء مؤسسات المجتمع الدولي!

 

وبهذا طورت البابوية من دور الكنيسة الغربية الكاثوليكية الرومانية في النظام الدولي الغربي من كونها متصدرة رايات الحملات الصليبية إلى داعم وموجه لحملات النظام الدولي الصليبية المعاصرة، وكان آخرها دعوة البابا فرانسيس إلى وحدة أوربا لمواجهة المخاطر والتحديات.

«وكالة الأنباء الفرنسية ٢١ / ٤ / ٢٠٢٠م»

 

فالنظام الدولي بقيادته الغربية بعد عقود من فقدانه للقيادة الأخلاقية على حد وصف سيد قطب أصبح اليوم أيضا عاجزا سياسيا واقتصاديا!

 

فالقوى الغربية تواجه أزمات سياسية أدت لصعود التيارات القومية والشعبوية التي لا تؤمن بالمؤسسات الدولية والعابرة للقارات، وترى ضرورة تقليص دورها والتخلص منها وهي بذلك تنهي دور أهم أدوات القوى الغربية في الهيمنة على العالم وثرواته.

 

ومن أهم عوامل صعود هذه التيارات والقوى الشعبوية من اليمين المتطرف هو الأزمات الاقتصادية التي ضربت الغرب منذ ٢٠٠٨ إلى اليوم، فأمريكا وحدها وصل دينها العام إلى ما يقارب ٢٣ تريليون دولار، وهذا الذي جاء بدونالد ترامب رئيسا في البيت الأبيض حاملا شعار (أمريكا أولا)، ليعلن بعد ذلك حملته السياسية لتجفيف مستنقع مؤسسات الدولة العميقة في واشنطن!

 

ومن واشنطن انطلقت عجلة انهيار النظام الدولي والعولمة، وبدأت الحروب الاقتصادية بين الغرب والصين لتضع الاقتصاد العالمي على حافة الهاوية، ولتصبح منظمة التجارة العالمية رمز العولمة في مهب الريح!

 

هذا الانهيار الغربي وبكل تداعياته أصبح واقعا وملموسا عند الجميع وخاصة في عالمنا العربي، وهذا من لطف الله عز وجل أن فتح للأمة نافذة في الجدار الاستعماري المحيط بها من اندونيسيا شرقا إلى موريتانيا غربا!

 

وما قامت الثورة العربية والنهضة التركية إلا في ظل هذا الانهيار للنظام الدولي الغربي وعجز قواه الاستعمارية، ليجدد الله لهذه الأمة دينها ويحررها من الهيمنة الصليبية بعد مائة عام من سقوط الخلافة الإسلامية العثمانية!

 

وكأن سيد قطب رحمه الله قد كُشف له مستقبل هذه الأمة في وقت كانت تأن تحت سياط الاستبداد القومي والإلحاد المادي ليعلن في معالمه على الطريق نبوءته العظيمة بأنه (قد جاء دور “الإسلام”، وجاء دور “الأمة” في أشد الساعات حرجا وحيرة واضطرابا…وجاء دور “الأمة المسلمة” لتحقق ما أراده الله بإخراجها للناس…ولا بد من إعادة “وجود” هذه “الأمة” لكي يؤدي الإسلام دوره المرتقب في قيادة البشرية مرة أخرى) وهذا ما نراه ينطلق من اسطنبول آخر عواصم الخلافة الإسلامية.

من سيف الهاجري

مفكر وسياسي - الأمين العام لحزب الأمة الكويتي