صفوت بركات

المستهلك المثالي

والإكراه والإذعان

نجحت النيوليبرالية في الغرب، كطور أخير للرأسمالية، في تطويع الإنسان الغربي وكل المهاجرين إلى الدول الغربية في إعادة تشكيل الإنسان الغربي بمنظومة العمل والقوانين وأحكام السوق، وإنتاج الثقافة والسينما والفنون، عبر قرن من الزمان، وبنظرية الديمقراطية، كنظام في الحكم، حتى عزلت الإنسان عن عقيدته وأعرافه وقيمه الموروثة، واستبدلتها بقيم وأعراف تحت عنوان بروتوكولات المجتمع والعمل والسوق.

 

وجعلت الخروج على الأعراف والنظام السوقي الذي يتدخل في تلبية الضرورات والحاجات هو والموت شيء واحد، فأصبح الإنسان يولد فيدخل عملية منظمة لصهره وتحويطه بنظم تسبق مجيئه للدنيا بأعوام وأجيال، لها وقائع مادية ونماذج  يحتذى بها من يربيه إلى أن ينتقل لمرحلة عمرية أخرى ودواليك، حتى دخوله القبر،

 

حتى الجرعات الثقافية والترفيه وعبثه منتج  لتهيئته للمنتجات التي يزعم إنتاجها في المستقبل فهي تهيئة لمستخدم ومستهلك لشيء لازال في النوايا، ولم ينتج بعد،

 

ونجح الغرب في الغارة الأخيرة على العالم الإسلامي، والتي يروج لها أنها ثورات، أو تقسيم جغرافي، أو إعادة رسم الخرائط من جديد، أو الحرب على الإرهاب، في التحكم في موارد الثروات ومداخيل الميزانيات،

 

وإفقار المنطقة فضلا عن الاستثمار في الحروب الطائفية ودعم كل الأطراف حتى تستسلم المنطقة بأسرها للدخول في منظومة الغرب في عزل العقيدة والمقدس، أي مقدس، وأي عقيدة، سواء أكانت حق أو باطل، طوعا أو كرها، لحل كل معضلات الشرق، وجعل الأمن والسلم في كفة، والعقيدة والمقدس في كفة أخرى، كمرحلة أولية لدخول المرحلة الثانية في قبول قيم وأعراف وعادات أو بروتوكولات تنتج مستهلك مثالي.

 

وأول بوادر انتصار الصدمة الصليبية النيوليبرالية للعالم الإسلامي يتزعمها الصدر بالعراق وربما يكتب لها النجاح والتأييد المطلق من الغرب، بتقويض حكومة العبادي السابقة، وإعادة تشكيل البنية السياسية بالعراق من جديد وخروج العقيدة، سواء أكانت حق أو باطل من الصراع،  وهى تتمة للاتفاق النووي الإيراني، بإعادة صناعة الإنسان كمستهلك مثالي في الشرق، والشرق الأوسط من القلب.

 

كما نجحت في دول النمور الآسيوية وهو الطريق الثاني، أو الخطة باء للنيوليبرالية، والتي روعي فيها السيسولوجية العرقية، لسكان شرق أسيا.. بخلاف ما يجرى بالشرق الأوسط.

 

وهو نفس الأنموذج، الذي جرى في الحرب العالمية الأولى والثانية، فأنتج إنسان طيع يصلح أن يكون مستهلكًا مثاليًا، بحكم الضرورة والحاجة، وتخلى عن كل القديم مقابل حق الحياة والكفاية من الضرورات من طعام وشراب، فأدخلوه مشروع مرشال، كعامل ومستهلك، وهو ما يجرى بالشرق الأوسط، وربما مصر تشهده بوتيرة متسارعة، ولكن بأساليب محلية.

 

ولكن الغاية من الجاري كله؛ عزل العقيدة، واستبدال القيم بقيم المستهلكين، واستبدال الثقافة بثقافة التهيؤ، والتشكيل للوجدان الملائم لوجدان مستهلك، وليس إنسان كامل الإنسانية حر الاختيار،   ولكن بدلا من عرض الإكراه والإذعان في العقود، جعلها نمط ونظام حياة وثقافة، وإضافة لها  القيمة المضافة للترغيب فيها، ودخول المجتمعات لها كمتنافسين على حيازتها، كما الفراش يحوم حول مصادر النار، بسبب ضوئها أو شدة حرارتها، وهو لا يدرى أنه سيحترق فأصبحت الشعوب في الغرب والعالم في خفة الفراش وعلاقته المطردة بالنار والنور.

من صفوت بركات

أستاذ علوم سياسية واستشرافية