الأمة: طرابلس  

حمل المحلل السياسي الليبي عصام الزبير المجلس الرئاسي الليبي مسئولية استمرار الأزمة الليبية لعدم امتلاكه القوة  للتدخل ووقف المهزلة الدائرة حاليا بين مجلس عقيلة صالح والمجلس الأعلى

للدولة مطالبا المجلس الرئاسي بالاستجابة لرغبة الشعب الليبي في حل المجلسين والاستحواذ علي سلطة التشريع والعمل علي إقرار قاعدة دستورية تقرب البلاد من إجراء الانتخابات وتشكيل حكومة منتخبة تقود ليبيا وتنهي المراحل الانتقالية.

وقال الزبير في حوار له مع «جريدة الأمة الإليكترونية» إن هناك رغبة من كل من المجلس الأعلى وبرلمان عقيلة صالح في الاستمرار في المشهد السياسي لذا يضعان العراقيل أمام إقرار القاعدة الدستورية وتسوية ملف مزدوجي الجنسية والقادة العسكريين وبل يعملان علي التوافق علي قضايا ثانوية مثل المناصب السيادية رغم كونها قضايا مؤجلة وكون الأولي إقرار تفاهمات تسهل التوافق وتخرج البلاد من أزمتها.

استحواذ المجلس الرئاسي علي التشريع السبيل الوحيد لإزالة العقبات أمام الانتخابات

انتقد الزبير بشدة ربط فتحي باشاغا بين استعداده للتخلي عن رئاسة الحكومة الموازية مقابل استقالة عبد الحميد الدبيبة من رئاسة حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دوليا معتبرا الأمر دليلا علي سيطرة المصالح الشخصية علي المشهد وتراجع مصالح ليبيا العليا مشددا علي أن رحيل الدبيبة يجب أن يكون بتسليم السلطة لحكومة منتخبة وليس لأي كيان أخر.

وقلل المحلل السياسي الليبي من أهمية المصالحة الأخيرة بين تركيا من جانب والإمارات ومصر علي الترتيب وتداعياتها علي الوضع الليبي مشيرا إلي أن هذه المصالحة قد تكون لها انعكاسات علي بعض القضايا غير الجوهرية ولكن ستبقي رغبة الدول الثلاثة خصوصا حكومة السيسي في الهيمنة علي المشهد الليبي رغم إدراكها إن أبعاد تركيا عن التأثير في ليبيا وشرق المتوسط مهمة مستحيلة.

انتقد بشدة ازدواج المعايير الذي تتعامل  به الحكومة المصرية مع حكومة الدبيبة واعتبارها حكومة منتهية الولاية  في حين يستمر التواصل مع شرق ليبيا وقوات المجرم حفتر رغم استمرار وجود السفير المصري في العاصمة طرابلس مشيرا إلي حكومة السيسي تفرط في مصالح مصر العليا وبل تضر بهذه المصالح في مكايدة سياسية ومفضوحة لتركيا

الحوار مع المحلل السياسي الليبي تطرق لقضايا عديدة تفاصيلها في السطور التالية:

• جمد المجلس الأعلى للدولة تعاونه مع برلمان عجيلة بعد الخلاف علي قانون المحكمة الدستورية بشكل يؤشر لنهاية شهر العسل بين الطرفين؟

مشكلة ليبيا تتمثل في عدم امتلاك المجلس الرئاسي القوة لجمع برلمان الشرق والمجلس الأعلى الليبي علي كلمة سواء ودفعهما لحل الأزمة أو إصدار قرار بحل المجلسين كما يرغب الشعب الليبي

بل إن المجلس لا يحرك ساكنا إزاء التجاذبات المختلفة بين الطرفين بل نري الرئاسي صامتا تجاه تحركات المجرم حفتر في المدن الليبية ويلقي خطابات كأنه رئيس دولة ولم يكلف المجلس نفسه بإصدار بيانات عن تحركات هذا المجرم في المدن الشرقية والجنوبية بدون صفة بل ويحرض خلال هذه التحركات علي اقتتال الليبيين دون أية ردة فعل من الرئاسي الليبي.

خلافات برلمان طبرق والأعلى حول القاعدة الدستورية يعكس رغبتهما في الاستمرار في المشهد

وكان الأولي بهذا المجلس إذا كان جادا في الخروج بليبيا من أزمتها أن يوقف عبث كل من برلمان عقيلة والمجلس الأعلى للدولة عبر استصدار قرار سيادي بالاستحواذ علي التشريع  إنهاء دور هذين الجسمين والعمل بشكل جاد علي إنهاء هذه المهزلة التي ظهرت وأخيرا والعمل علي إخراج ليبيا من أزمتها.

• كيف تفسر مسلك المجلس الأعلى وبرلمان صالح ومسئوليتهما عن الأزمة الليبية؟

مجلس عقيلة والمجلس الأعلى لم يتخذا خطوات لإتمام الاستحقاق الانتخابي الذي كان مقررا في الرابع والعشرين من ديسمبر الماضي حيث عرقل مجلس عقيلة أية خطوات للتوافق الوطني أو لضمان الحد الأدنى من التفاهم

بل إن ما أعلن عنه أخير  من اتفاق المجلسين حول المناصب السيادية في ليبيا أمر عديم القيمة لا يعكس إلا الرغبة في الاستمرار في المشهد السياسي فهذا التوافق حول المناسب السيادية ليس هذا هو التوقيت المناسب له إنما الواجب العمل بكل قوة لإزالة جميع العقبات أمام عقد الانتخابات وبعدها تتولي السلطة حكومة منتخبة  من الشعب تبقي هذه المخولة باختيار المناصب السيادية.

استحواذ المجلس الرئاسي علي التشريع السبيل الوحيد لإزالة العقبات أمام الانتخابات

وكذلك العمل علي توحيد المؤسسات ولكن كل ما يجري أخير ومنه ما جري حول المحكمة الدستورية الليبية يعكس رغبة مجلس عقيلة في الاستحواذ علي سلطة التشريع كاملة وإبعاد المجلس الأعلى عنها بالكامل دون أن يضع في اعتبارها أن إجراء انتخابات نزيهة وشفافة يشكل واحدا من أهم وسائل تسوية الأزمة الليبية وإخراج البلاد من النفق المظلم.

القاعدة الدستورية ومزدوجي الجنسية  

• كذلك اخفق المجلسان حاليا في التوافق علي القاعدة الدستورية وحق مزدوجي الجنسية في خوض الانتخابات الرئاسية وكذلك القيادات العسكري؟

الخلاف حول مزدوجي الجنسية والقيادات العسكرية وحقهما في خوض الانتخابات أمر مبالغ فيه ومظاهر من مظاهر الأزمة الليبية رغم أن الأمر بسيط في حد ذاته لاسيما أن كل دساتير الدنيا تحظر علي أي شخص يحمل جنسية أخري أن يصل لسد الحكم في دولة أخري.

الربط بين تسليم أبو عجيلة مسعود والسيادة الوطنية مزايدة مرفوضة

وكذلك يحظر علي العسكريين الترشح للحكم انطلاقا من الطابع المدني للمشهد السياسي كما هو موجود في كل الدساتير واعتقد ان الخلاف حول هاتين القضيتين يعكس الرغبة في عرقلة المسيرة لا أكثر فالوصول إلي توافق حول هذه القضايا وصياغة قاعدة دستورية أمر ميسور.

وعلينا فقط العودة للطريقة التي تم بموجبها انتخاب المؤتمر الوطني ومجلس النواب والكيفية التي انتخابات بها الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور وكذلك القانون الذي حكم انتخابات المحليات والبلديات وهذه القواعد موجودة ويسهل العودة إليها وبل القيام بتعديلها وتطويرها علي يد المجلس الرئاسي والدفع بها إذ كانت هناك جدية للخروج من الأزمة.

ضابط استخبارات الليبي ابو عجيلة مسعود

• خلال الأيام القليلة الماضية عادت قضية طائرة لوكيربي لصدارة المشهد الليبي خصوصا بعد تسليم أبو عجيلة مسعود المريمي ضابط المخابرات الليبي السابق لواشنطن كيف قيمت هذا التطور؟

قضية تسليم أبو عجيلة مسعود تحولت لقضية جنائية ونحن كما نعرف الأمريكان لا يسكتون عن قتلاهم ومن هنا فعجيلة مسعود كان سيسلم للجانب الأمريكي في كل الأحوال سواء أكان الدبيبة أو غيره في سد السلطة خصوصا أنه لا يوجد نظام سياسي في المنطقة قادر أو راغب علي حد سواء في أن يصارع  أمريكا

حتى أن فتحي باشاغا الخصم الأول لحكومة الدبيبة لم يعلق علي الأمر ولم يصدر بيانا وكان من السهل عليه توظيف هذا التطور لتشويه صورة حكومة الدبيبة وابتزازها والمزايدة عليها وهو ما لم نجده فباشاغا نفسه لو كان موجودا في الحكم لسلم أبو عجيلة

حديث باشاغا عن تخليه عن منصبه مقابل استقالة الدبيية مراهقة سياسية وشخصنة مرفوضة لهموم الوطن

وليس هناك أدل علي ذلك من عدم إصدار المجرم حفتر أي بيان حتى الآن لإدانة تسليم أبو مسعود فضلا عن انه لا يوجد موقف أو رد فعل شعبي إزاء هذه القضية يرفض تسليم مواطن ليبي لواشنطن

وهو تكرار لما حدث عندما تم خطف أبو أنس الليبي أو اختطاف الليبي فتحي أبو ختالة بداعي الإرهاب حيث لم نجد أحدا يحرك ساكنا واو رد فعل شعبي قوي  قد توظفه أي حكومة لتعزيز موقفها في أي موقفه مشابه..

• لكن كثيرا من المحسوبين علي النظام السابق انتقدوا الخطوة واعتبروها انتهاكا للسيادة الوطنية؟

التذرع بالسيادة الوطنية  فيما يتعلق بتسليم عجيلة أبو مسعود أراه مجرد مزايدة فالقذافي نفسه سبق وسلم عبد الباسط المقراحي وأمين خليفة فخيمة وبل دفع مليارات الدولارات كتعويض لضحايا لوكيربي لإغلاق هذه القضية

وكلنا يعرف أن مثل هذه القضايا يثيرها الأقوياء ويتم توظيفها ضد الضعفاء خصوصا أنظمة الحكم غير المتماسكة والتي تملك رأي عام شعبي قادر علي مواجهة أية ضغوط اجنبية في هذا الصدد.

 «التسليم مقابل التمديد»

• لكن هناك من يردد أن حكومة الدبيبة سلمت أبو عجيلة في صفقة مع واشنطن عنوانها «التمديد مقابل التسليم»؟

ما يعاب علي حكومة الدبيبة في هذه المساءلة أنها تعاملت مع قضية تسليم عجيلة أبو مسعود بالصمت التام فلم تفاتح الرأي العام لإظهار الحقائق وأسباب القيام بتسليمه وكان عليها اتخاذ مواقف أكثر شفافية توضح تطورات قضية لوكيربي والعمل علي إغلاق ملف هذه القضية بشكل يجنب ليبيا أية تبعات لها مستقبلا .

• خلال الأيام الماضية تطرق رئيس الحكومة الموازية فتحي باشاغا لإمكانية تخليه عن منصبه مقابل استقالة عبد الحميد الدبيبة.. بما تفسر هذه الخطوة؟

اعتقد أنني عندما أقرأ خبرا هكذا عن استعداد باشاغا للتخلي عن منصبه مقابل خروج الدبيبة من منصبه ازداد أسفا علي حال بلادي وعلي المراهقة السياسية التي يتعامل بها الفرقاء مع أزمة بلادهم وكيف تحول الأمر إلي قضية شخصية وليس مصلحة عامة تصب في خدمة البلد.

بل علي العكس تصعب الوصول لأية حلول للأزمة الليبية فهذا النهج لا معني له فهل الأمر مرتبط بصراع شخصي يجب إبعاد أطرافه فقط عن المشهد السياسي مع أن الأمر الواجب هنا هو أن  خروج حكومة الدبيبة من الساحة يجب أن يتم لصالح حكومة ليبية منتخبة وان تبقي الحكومة الحالية كحكومة إدارة أزمة تعد البلاد للانتخابات دون السماح بوجود حكومة انتقالية أخري.  

المصالحة التركية المصرية

• علي هامش افتتاح بطولة كاس العالم فيفا قطر 2022 لقاء بين اردوغان والسيسي ومن قبلها تقارب تركي إماراتي فهل يمكن أن يصب هذا في صالح تسوية قريبة للأزمة الليبية؟

التقارب بين هذه الدولة أو تلك يأتي للبحث عن المصالح وليس مرتبطا بمصالح ليبيا أو شعبها في المقام الأول أو سعيا لإخراج البلاد من أزمتها

موقف مصر من أوضاع ليبيا مرتبك وإخراج تركيا من المعادلة أمر مستحيل

وفي هذا السياق فهذه التفاهمات هدفها محافظة كل دولة علي مصالحها حتى لو كانت علي حساب الدولة الأخرى أو إخراجها من مشهد معين بالكامل فمثلا مصر تريد إبعاد تركيا عن الساحة الليبية والرغبة في الانفراد بليبيا ناهيك عن وضع علاقاتها مع تركيا.

وهو ما يتكرر مع الإمارات وما يطلق عليه مصالحة بين الدول الثلاث قد يساهم في حلحلة بعض القضايا الجزئية عبر الوصول لصيغة من المصالح المشتركة.

السيسي واردوغان

لكن مصر تتبني موقفا معاديا لحكومة الدبيبة خصوصا بعد توقيعها اتفاقيات حول النفط والغاز مع تركيا؟

موقف مصر هنا مستغرب جدا وأنا هنا لا اقصد مصر كوطن أو كشعب إنما اقصد نظام السيسي يعترض علي كل شيء  تقره هذه الحكومة

وحتى لو كانت مثل هذه الاتفاقيات تصب في صالح مصر وتعيد إليها آلاف الكيلومترات من المياه الاقتصادية شرق المتوسط تفتح الباب المجال واسعا لتحولها لقوي عظمي في مجال الغاز لما يعرف لمصر من ثقل كبير في هذا المجال

المصالحة بين تركيا ومصر والإمارات لن تكتب نهاية الأزمة الليبية

بل إن القاهرة تتجاهل كل هذا  وتعمل بكل الوسائل لمكايدة تركيا رغم إدراك القاهرة باستحالة إخراج تركيا من المشهد الليبي رغم أنها يضر بمصالح مصر الاستراتيجية

بل نجد القاهرة تنتقد الوجود الليبي في ليبيا فيما تتحالف مع اليونان  وقبرص الرومية رغم إضرار هذا التحالف بمصالحها

متجاهلة أن تركيا غدت بعد انتهاء اتفاقية لوزان من الدول المؤثرة شرق البحر الأبيض المتوسط وأصبحت من الدول الصناعية الكبرى

ودخلت مجموعة الـ20 ولكنها تنكر هذه الأوضاع وتتحدث عن نفوذ مصري متصاعد في ليبيا حتى لو كان نفوذا وهميا

• وماذا أيضا عن موقفها المعادي لحكومة الدبيبة؟

من المواقف الغربية للحكومة المصرية ما تتخده من مواقف تصادمية مع حكومة الدبيبة رغم اعترافها بها ووجود سفير لها في مقرات وزارة الدبيبة التي تعتبرها القاهرة حكومة منتهية الولاية وعلي العموم الموقف المصري من حكومة الدبيبة ينطلق مما تعتبره القاهرة مصالحها مع حفتر وضرورة استمرار التعاون معه والمراهنة عليه لتنفيذ اتفاقيات قد تكون تحت الطاولة تخدم مصالح مصرية في الأراضي الليبية..

هذه أخطاء حكومة الدبيبة في تسليم أبو عجيلة لواشنطن وصمت حفتر وباشاغا يكشف عدم ممانعتهما

يحدث هذا رغم أن حكومة الدبيبة سعت بكل الوسائل لإرضاء القاهرة وضمان دعمها حيث أغدقت العطاءات علي الشركات المصرية لتنفيذ مشروعات في الأراضي الليبية ولكن مصر بقيت تكيل بمكيالين وتتعامل مع شرق ليبيا بأسلوب يختلف عن الغرب بشكل يعكس تخبطا شديدا وغير مبرر في المواقف المصرية.