عرفنا الدولة العميقة كيانا ماكرا، لا يضع بيضه كله في سلة واحدة، وفي بداية الحراك، رأينا كيف وزّعت بيضها على ثلاث سلّات.. فكان أويحيى في الحكومة مصطفا مع النظام، وكان الغديري مرشحا، تحسبا لذهاب الأمور باتجاه الانتخابات، وكانت واجهات أخرى منها كالأفافاس والأرسيدي وغيرهما في صف الحراك.

 

واليوم.. تنطلق دعوة من بلديات تيزي وزو، تتبنى موقف عدم مراجعة القوائم الانتخابية.

 

ومعلوم أنّ للدولة العميقة وعاءها الانتخابي، الذي كان يصب في صالح الأرندي والأرسيدي وغيرهما.. وهذا الوعاء له بطاقات انتخابية وجاهز للذهاب إلى الصندوق.

 

بينما الملايين من الذين خرجوا إلى الشارع من عموم الشعب، لا يملكون بطاقات انتخابية، لأنهم كانوا طوال عقود، مقاطعين للانتخابات.

 

فماذا لو أنّ كل ما يحدث اليوم، هو مجرد فخّ نصبته الدولة العميقة، للملايين من الناس في الحراك، وللأحزاب الإسلامية، لدفعها بذكاء نحو المقاطعة، ليخلو الجو لها للفوز؟

 

ماذا لو أنّ عملية مراجعة القوائم الانتخابية تتم اليوم في السر في تلك البلديات التي تدعي المقاطعة؟

 

ما هو مؤكد اليوم هو أنّ الغديري أعلن نيته في الترشح..

 

وما هو مؤكد اليوم أيضا أنّ هناك أحزابا من العشرة التي حصلت على اعتمادها مؤخرا، تنتمي إلى الدولة العميقة..

 

وهو ما يعني أنّ هناك نية للمشاركة في الانتخابات..

 

تدرك الدولة العميقة أنها من الناحية الفعلية، مجرد أقلية، وأنّ من الصعب أن تفوز في انتخابات طبيعية، لذلك راهنت على خلْع الباءات الثلاث واستبدالها بهيئة رئاسية أو بحكومة لها ولاء لها، تتمكن من خلالها من ممارسة ما كان أويحيى يمارسه خلال عقود من التزوير..

 

وحين فشلت الدولة العميقة في إيجاد هيئة انتقالية تمكّنها من التزوير، والوصول إلى سدة الحكم عبر (الكوطة).. وعلمت أنّها لا يمكن أن تفوز أبدا في الانتخابات.. عمدت إلى فكرة الدعوة إلى إبعاد (الأغلبية الشعبية) ودفعها إلى المقاطعة، ليخلو لها الجوّ.. فتفاجئ الكل بذراع من أذرعها، يترشح، فتحشد له، ليفوز في ظل المقاطعة..

 

لا يهم إن كان الذراع هو الغديري، أو الحزب الأصفر الذي سيظهر قريبا.. أو غيرهما.. المهم هو: ماذا لو أنّ كل هدف الدولة العميقة اليوم، منصب على أن تفوّت الفرصة على الملايين من الناس، وتحرمهم من الحصول على بطاقاتهم الانتخابية، في إطار مشروع منظم هو (رفض مراجعة القوائم الانتخابية)؟

 

ولماذا يعطي مشروع الرفض هذا السلطة لرؤساء البلديات، باتخاذ قرار، دون رأي الشعب؟

 

ولماذا تروّج قناة المغاربية لفكرة (رئيس البلدية هو ممثل الشعب ومن حقه رفض المراجعة).. فكيف يكون رؤساء البلديات ممثلين للشعب ونحن نعرف الطريقة التي وصلوا بها، والانتخابات التي جاءت بهم؟

 

وماذا لو أدركت الملايين صبيحة 5 جويلية 2019 ، وبعد فوات الأوان، أنّ الأمر كان مجرد خدعة، وأنّ الدولة العميقة قد وصلت إلى قصر المرادية، وأصبح مصير البلد بيدها؟

 

أليس من العقل حتى مع وجود نية المقاطعة، أن تحصل الملايين من الناس على بطاقاتها الانتخابية، تحسبا لأي طارئ؟

أليس من العقل أن تحمل سلاحك بيدك، حتى إذا كان الزمن زمن سلم، تحسبا للحرب التي قد تأتي بعد السلم؟

 

ألم يقل الأجداد (حْجار البلا يتلقطوا في العافية)؟

 

هناك مشروع خطير انطلق من بلديات الأفافاس في تيزي وزو، والعمل جارٍ على نشره في كل بلديات الوطن، باسم (رفض مراجعة القوائم الانتخابية).. مع أنّه لا علاقة للحصول على بطاقة انتخابية، بالذهاب إلى الانتخاب).

 

فهل ستأكل الملايين الطعم، لتدرك بعد مدة أنّ كل آمالها تبخّرت بمؤامرة كيدية أكبر منها.. وأشد مكرا؟

 

الدولة العميقة تبحث اليوم عن أي ثغرة، أي طريقة، لإعادة تموقعها.. ولن تتورع أبدا عن الوصول إلى السلطة بمثل هذه الخدعة. وتلك هي السياسة.. وإذا كان القانون وهو قانون، لا يحمي المغفلين.. فهل ستحمي السياسة المغفلين؟

 

وإذا أدركت الملايين بعد انقضاء الآجال المفتوحة لمراجعة القوائم، أنها وقعت في الفخ.. فماذا ستفعل؟

ألا تزال الأغلبية، تستجيب لخدعة (انظر إلى هذا العصفور في السماء).. ليختنوها مرارا؟

 

ملاحظة:

المؤمنون بجبهة (جزائريون) وأصحاب الوعي من أبناء الأهالي، أدعوهم إلى الحصول على بطاقاتهم الانتخابية، لهم ولذويهم.. تحسبا.. وتمردا على المشروع الكيدي الماكر.. رغم أنه لم يبق من الوقت متسع.. فبادروا وحركوا هذه الحملة ليستفيق الناس.