تعتبر الحياة البرلمانية بصورتها الحديثة ظاهرة جديدة على ثقافة الشرق الإسلامي مقارنة مع الثقافة الأوربية الغربية التي سبقتنا بعدة قرون وكان لها التأثير الكبير على المثقفين المسلمين الذين عاشوا في أوربا ثم عادوا لأوطانهم يحملون فكر سياسي جديد أكثر تقدما عن النظم السياسية القائمة ذلك الوقت , والمتمثلة في الدولة العثمانية في أواخر عهدها.

 

ومع بدايات القرن العشرين خرجت دعوات كبيرة وواسعة مطالبة بتقييد سلطات الحاكم من خلال حركات سياسية ظهرت في وقت متقارب ما بين (1906- 1909) في كلا من إيران والدولة العثمانية والمغرب الأقصى، سميت بحركة (المشروطية) في مقابل ما عرف بـ(المستبدة) التي تمثل السلطات المطلقة للحاكم.

 

بعد مرحلة صراع وسجال طويل قمعت فيه المستبدة دعاة المشروطية وسحقتها سحق, وفي بعض المناطق منحت المستبدة وجود شكلي للمشروطية عبر الموافقة على منح (الرعية) نوع من التمثيل النيابي باعتماد دساتير تسمح بالتمثيل في البرلمان عبر انتخابات مزورة أو عبر تعيين مباشر من الحاكم لأفراد يعبرون عن إرادة الأمة؟!.

 

إن الأنظمة المستبدة وإن سمحت بتشكيل هيئات برلمانية  تشريعية لم يكن برغبتها أو عن رضي منها ولكن كان تلبيه لمطالب حقيقية وجادة جعلتها في بين خيارين إما تقديم بعض التنازلات للأمة أو خيار الثورة وضياع الملك فاختاروا الثانية في محاولة لامتصاص الشعوب مع تفريغ هذه المؤسسات من محتواها وسلب صلاحياتها وتفريغها من المضمون الذي من المفترض أن تُؤسس لأجله إي استجابة لأراده الأمة لا لإرادة الحاكم.

 

يقول: محمد أسد، رحمه الله: إن تشكيل الهيئة التشريعية هو أخطر المسائل في حياة الدول، وإن علينا أن نلتزم بأمر الله  تعالى الذي ينص على أن تعالج كافة شؤوننا العامة على أساس الشورى، وأنه لا مفر من التسليم أن عملية تأسيس المجلس نفسها يجب أن يتمثل فيها هي الأخرى معني الشورى على أتم ما يكون.

 

وفي المجتمعات المعاصرة لا يمكن أن يتم تعرف رأي الأمة، وتحقيق مبدأ الشورى بغير طريق الانتخاب العام إذ أنها الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تظهر عن طريقها مزايا المرشحين ويترك بعدها للشعب حرية الاختيار. دون وصاية أو توجيه مع القيام بعملية مجتمعية استباقية تقوم بها مؤسسات المجتمع المدني لصانعة وعي بأهمية الانتخابات وخطورتها ومدى المسؤولية الشرعية، والمردود العام في اختيار الناخب وأن النتائج المرجوة لا تتحقق إلا من خلال اختيار الأفضل والأنسب.

 

ويؤكد الكاتب المعروف خالد محمد خالد رحمه الله على أن المفهوم الحديث للشورى في اختيارات الأمة لمن يحكمها أو يمثلها هو انتخاب الشعب لنوابه من الذين يعتقد فيهم أنهم هم خير من يمثل إرادته ومشيئته, ويرى في هؤلاء النواب المختارون من قبل الأمة هم أهل الحل والعقد ولاسيما إذا طعم المجلس النيابي ببعض الخبرات والكفاءات المتخصصة ولو بالتعيين المحدود, والمنصوص عليه دستورياً أو الاستعانة بهم في الدوائر الاستشارية بالمجلس النيابي.

 

إن المناط الحقيقي المطلوب من البرلمان تحقيقه؛ هو تمثيل إرادة الأمة لا رغبة الحاكم, وأن يكون أداة الأمة في التعبير عن آرائها والقائم عنها بمراقبة ومحاسبة الحاكم والحكومة. من خلال اختيارها الحر والغير مشروط وفق معايير الكفاءة والنزاهة لأشخاص كانت -الأمة الناخبة- على مستوى عال من المعرفة التامة بقدراتهم وكفاءتهم ونزاهتهم، من خلال المعيار الدقيق الذي حددته الشريعة الإسلامية -القوة والأمانة- المتمثل في الكفاءة والمقدرة على التنفيذ لصالح الأمة لا لمصالح شخصية أو فئوية ولا يقبل أن يكون واجهة تجميلية لصورة نظام أو أداه في يد حاكم مستبد يوجهه أين يشاء.

 

بل يجب أن يكون مستقل الإرادة يعبر عن الأمة التي انتخبته وجعلته نائب عنها يقوم بمصالحها وحدها دون غيرها فهي الأحق والأولى والأجدر بذلك.

فرج كُندي

من فرج كُندي

كاتب وباحث من ليبيا، وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.