حمزة تكين

منذ احتلال أرض فلسطين قبل أكثر من 100 عام، أي بعد إسقاط الخلافة الإسلامية العثمانية ودخول القوات البريطانية إلى الأراضي الفلسطينية تحت ذريعة “انتداب” ثم تسليم تلك الأراضي لأبناء الحركة الصهيونية الإرهابية، وحتى اليوم مازالت فلسطين تعاني من أغلال الاحتلال الظالم.

احتلال رأينا جميعا أبشع صوره الإرهابية والإجرامية خلال العقود الماضية، ضد شعب أعزل تُرك وحيدا من محيطه العربي، وما زال متروكا حتى يومنا هذا، وخير دليل على ما نقول مشاركة أنظمة عربية بحصار قطاع غزة والمشاركة الفعلية في صياغة بنود “صفقة القرن” التي بموجبها تكون فلسطين وعاصمتها القدس الشريف قد بيعت للصهيونية العالمية على طبق من ذهب مع كوب من بترول.

وطالما سمعنا شعارات توصّف حالة الصراع مع العصابات الصهيونية التي تقود اليوم ما يسمى بـ”دولة إسرائيل”، ومن تلك الشعارات الواسعة “الصراع العربي ـ الإسرائيلي” الذي يظهر أن هناك عداوة حقيقية بين الأنظمة العربية وذاك الكيان المحتل.

ولكن مع مرور الوقت انتقل الحال بنا إلى شعار أضيق وأشد خبثا من سابقه وهو “الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي”، وهو واضح في معناه لا يحتاج لكثير شرح، أن الصراع لم يعد بين الأنظمة العربية والكيان الصهيوني، بل أصبح محصورا بصراع بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين” وكأنهما طرفان يتعاركان على قطعة شوكولاتة!

ولكن الحقيقة هي أن هناك أمة كاملة لها الحق بأرض القدس وفلسطين، أمة ـ بعيدا عن كثير من أنظمتها ـ تقاتل ضد كيان صهيوني محتل إرهابي، ولكن العار كل العار لمن حصر الصراع بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين” في محاولة منهم لتقزيم وتسخيف حجم الإجرام الذي ترتكبه ما تسمى بـ”دولة إسرائيل”.

ولن نكون ظالمين إن قلنا وبالفم الملآن أن العالم العربي ـ بكثير من أنظمته ـ خذل القضية الفسطينية وخذل القدس وخذل المسجد الأقصى وخذل الشعب الفلسطيني والشعب العربي والأمة الإسلامية جمعاء، وخير دليل ما وصلت إليه فلسطين اليوم من واقع مأساوي في ظل دعم سري مفتوح للغطرسة الصهيونية ـ الأمريكية.

وكما يقول المثل الشعبي “من يجرب المجرب عقله مخرب”… وبالتالي وبعد فشل العالم العربي ـ بكثير من أنظمته ـ من حماية فلسطين والقدس والمسجد الأقصى، بل والمشاركة في “صفقة القرن” الرعناء، لماذا لا تجرب فلسطين عالَمًا جديدا علها تجد عنده ومعه نتيجة لصالح الشعب الفلسطيني والأمة، رغما عن أنوف العملاء الكبار والصغار؟!

كثيرون قد لا يعلمون أنه كما هناك “عالَم عربي”، فإن هناك أيضا “عالَم تركي” يضم تركيا وأذربيجان وكازاخستان وقرغيزيا وأوزباكستان وجمهورية شمال قبرص التركية، وتركمانستان، عالَم عقد آخر اجتماع له يوم أمس الإثنين في قرغيزيا.

وخلال هذا الاجتماع، صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تصريحا ملفتا للنظر، شدد فيه “أننا لا نرى فلسطين خارج العالم التركي”.

وفي موقف متقدم داعم للقضية الفلسطينية ومن قلب اجتماع العالَم التركي، شدد أردوغان أنه “طالما أن القضية الفلسطينية لم تلق حلا عادلا ودائما، فإنه من غير الممكن إحلال الأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي”.

إذن فإن الرئيس أردوغان جعل قضية فلسطين في صلب القضايا التي تهم العالَم التركي، وبالتالي فإن تركيا ومن معها من دول ناطقة باللغة التركية لن تترك فلسطين وحدها أمام هذه الهجمة الشرسة التي نراها والضغوطات التي نعاني منها كي نتخلى عن القدس والمسجد الأقصى وكل فلسطين.

وقضية فلسطين هي أحد أهم النقاط التي بسببها تشن قوى إقليمية ودولية حروبا سياسية واقتصادية ومالية وعسكرية وأمنية ضد تركيا.. تركيا المصممة على ضرورة أن ينال الشعب الفلسطيني حقه الكامل وأن تبقى القدس عاصمة أبدية لدولة فلسطين وأن يبقى المسجد الأقصى للمسلمين وحدهم.

لتركيا الكثير من الخطوات التي تريد أن تقوم بها دعما لفلسطين والقدس والمسجد الأقصى ولكنها لم تلق أي دعم من العالَم العربي، الذي وصّفناه آنفا، فعلّ تركيا تلقى الدعم المطلوب من العالَم التركي كي تكون فعلا عند طموحات الفلسطينيين ناصرة لقضيتهم قولا وفعلا، إعلاميا وميدانيا، وجدانيا وعمليا.

هل تركيا اليوم صادقة في توجهها الداعم لفلسطين؟

ما يؤكد صدق تركيا في ظل حكومات حزب العدالة والتنمية تجاه القضية الفلسطينية، أن هذه الحكومات دفعت ثمنا باهظا في سبيل التمسك بسياساتها الداعمة لفلسطين، سواء بالدم أو بالسياسة، كما آثرت تركيا الجديدة التخلي عن “التحالف الإستراتيجي” الذي كان يربط تركيا القديمة بالكيان الصهيوني، الأمر الذي أدى لخسائر اقتصادية وعسكرية واستثمارية، ولكن الشعب التركي فهم جيدا عن هذه الخسائر هي في الحقيقة مكاسب، فكسب فلسطين صاحبة الحق، أولى بكثير من كسب “إسرائيل” صاحبة الباطل.

فلو لم تكن تركيا الجديدة صادقة تجاه فلسطين لما كانت تخلت عن هذه النقاط سابقا، ولما كانت اليوم تخوض حرب دفاع شرسة ضد مؤامرات متنوعة تقودها ضدها دول إقليمية ودولية على رأسها “إسرائيل” وأدواتها المدللة.

هل فلسطين تقبل بنقل قضيتها للعالَم التركي؟

من الواضح لكل ذي عقل أن الشعب الفلسطيني يدرك جيدا موقع ودور تركيا الإقليميين، وتأثير هذه الدولة على قضيته، ويدرك جيدا أن ما تحمله تركيا تجاه فلسطين من صلات دينية وخلفيات تاريخية ثقافية، أمر ليس بالبسيط وليس بالعابر.

كما أن الشعب الفلسطيني يرى بوضوح اهتمام السياسية الخارجية التركية بقضيته وقضية وطنه وقدسه وأقصاه، ويرى بأم عينه بقاء الدور التركي تجاهه أكثر زخما من غيره من دول المنطقة، المنشغلة بملفاتها الداخلية وصراعاتها التي تغذيها قوى معادية أصلا للعرب والمسلمين وفلسطين والقدس والمسجد الأقصى.

نقاط تؤكد أن الشعب الفلسطيني لا ينظر للدور التركي تجاه قضيته على أنه دور هامشي، بل على أنه دور أساسي مؤثر، ومؤثر إيجابا لا سلبا، وبالتالي فإنه سينظر بإيجابية لدور جدي وهام يقوم به العالَم التركي تجاه فلسطين.

وبكل الأحوال فإن العالَم العربي ـ بكثير من أنظمته ـ فشل بالوقوف الحقيقي إلى جانب فلسطين، فلماذا لا نعطي دورا للآخر وليكن هذا الآخر العالَم التركي… وهنا لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بقدر نصرته لفلسطين وقضيتها العادلة.

ولا ننسى أن الخلافة الإسلامية العثمانية التي تُعتبر تركيا اليوم وريثتها الشرعية، حمت أرض فلسطين وحمت المسجد الأقصى نحو 6 قرون من الزمن، أي ما يقارب من نصف التاريخ الإسلامي.

من حمزة تكين

صحافي تركي، ماجستير في الشريعة الإسلامية