سافرت، بعد حصولي على الماجستير مباشرة 1978م، إلى الرياض، للعمل محاضرا في كلية العلوم الاجتماعية، وقد خصّصت الكلية لي غرفة، لأنها أسندت لي الإشراف على الأنشطة الثقافية (النّادرة!) للطلاب .

وكانت تلك الغرفة ملاصقة لغرفة أستاذنا الدكتور علي عبد الواحد وافي ..المفكر والمؤلف الذائع الصيت ..ولم أكن مصدقاً أن تكون غرفتي ملاصقة لحضرته ؛ لأني قد قرأت وتتلمذت على كتبه ومنشوراته العديدة !.

نشأت بيننا علاقة علمية وإنسانية عميقة ومفيدة..امتدت مدة من الزمن .

كنت أجلس إليه يومياً أوقاتاً طويلة، وكنت قد بدأت العمل في رسالة الدكتوراة، وكان رحمه الله يفيض عليّ من علمه وخبرته وإنسانيته بسخاء نفس، مع تواضع كبير،ورحابة أفق، وموسوعية، وتوقد ذهن ..وكان ينقل لي خبراته في باريس …كان كل ذلك يدهشني كثيرا ..لقد تعلمت منه أمورا ما كان لي أن أحصلها بنفسي لنفسي ..حين كنت باحثا مبتدئاً !

كان الرجل حافظا لكتاب الله تعالى، تالياً له آناء الليل وأطراف النهار …كان يتلو كتاب الله وهو جالس ..وهو واقف …وهو سائر ..وهو منتظر ..كنتُ  أراه يقرأ الكتاب من حفظه ، وتمنيت ُ أنْ أكون مثله .

وكانت له مواقف مشهودة  في الرياض، فقد كان يحضر محاضرة عامة..تحدّث فيها بعض المشايخ رافضاً الإقرار بأي نوع أو مستوى من (التأويل) في القرآن الكريم ..وأطال الرجل في هذا، ثم طلب ( علي عبدالواحد وافي ) الكلمة، وقال للشيخ: ماذا تقول في قول ربنا سبحانه : (مَنْ كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا) وجرى سجال بينهما ..وقد كان الشيخ ضريراً !!

رحم الله الدكتور علي عبد الواحد وافي (محقق مقدمة ابن خلدون)، فقد تعلّمت منه الكثير.

د. محمد الشرقاوي

من د. محمد الشرقاوي

أستاذ الفلسفة الإسلامية، والدراسات الدينية والاستشراقية في جامعه القاهرة.