الأمة| كشف تقرير حقوقي أن آلاف الأسر العراقية لا تزال غير قادرة على العود إلى قضاء بيجي في محافظة صلاح الدين الذي نزحت منه عام 2014، رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على سيطرة الحكومة العراقية عليه.
وأرجع تقرير صادر عن المرصد العراقي لحقوق الانسان أبرز الأسباب إلى منع مليشيات مسلحة المواطنين من العودة إلى منازلهم، وتأخر إصلاح البنية التحتية في القضاء الذي بات شبه مدمرًا.
وقال التقرير إن “من العوامل التي تحول دون عودة السكان، غياب الثقة بالحكومة العراقية، وعدم وجود ضمانات بتوفر حياة آمنة ومستقرة لهم في وقت يدور الحديث عن وجود عمليات إرهابية في المناطق المحررة”.
جهات مسلحة تمنع عودة المدنيين
كما أشار التقرير إلى إن “أسباباً أخرى تمنع عودة الأهالي إلى المدينة، أبرزها منع بعضها من قبل جهات مسلحة متنفذة تشرف أمنياً على تلك المناطق بسبب غياث الثقة بين الطرفين وغياب الرؤية الحكومية لمرحلة ما قبل العودة ومابعدها”.
وكان مجلس محافظة صلاح الدين أصدر قبل أكثر من عامين قرارا بإعادة جميع النازحين من المحافظة اعتبارا من منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، بالتزامن مع إعلان فرض كامل السيطرة للقوات العراقية علي المحافظة وإخراج تنظيم داعش منها، إلا أن القرار لم ينفذ بعد. وتشير بعض التقارير وتصريحات لأعضاء في مجلس محافظة صلاح الدين إلي معارضة مليشيا “الحشد الشعبي” عودة النازحين الي صلاح الدين.
ومنذ عام 2014، وثقت تقارير حقوقية عشرات الحوادث في مختلف أنحاء العراق، منعت فيها السلطات المحلية العائلات من العودة إلى ديارها، ورُبطت جميع التقارير بالادعاءات التي تقول إن العائلات دعمت “داعش” لأن أقاربها أو مجتمعاتها اتهمت بالعضوية في داعش، الأمر الذي يرتقي إلى عقاب جماعي.
وكشف تقرير سابق لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” في شهر فبراير/ شباط الماضي عن تسبب شبهة الاتنماء إلى تنظيم “الدولة الإسلامية” في تعرض مواطنين عراقيين للإضطهاد في بلدهم بحيث يقف ذلك عائقا أمام حصولهم على وثائق ثبوتية، توفر لهم التمتع بالحقوق الأساسية كمواطنيين.
وأشار تقرير المرصد العراقي أيضا إلى أن مخاوف المدنين من العودة تكمن في أن “الموقع الجغرافي للمدينة جعلها قريبة من التحركات التي تقوم بها جيوب تنظيم داعش المستوطنة في بعض مناطق اطراف المدينة وهذا ما منع عودة الكثير من النازحين أيضا”.
بنى تحتية مدمرة.. 12 ألف منزل مهدم و10 آلاف متضرر
كما لفت إلى تجاهل الحكومة إصلاح ما خلفه الدمار، قائلا: “الحكومة الإتحادية في بغداد لم تخصص حتى الآن أي مبلغ لإعادة إعمار قضاء بيجي المدمر، رغم أن مجلس النواب العراقي إعتبر في يوليو/ تموز 2017 القضاء منكوباً”.
ويلخص المرصد العراقي لحقوق الإنسان سبب عدم عودة النازحين إلى قضاء بيجي في أن: “الاضرار الناجمة عن الصراع الحاصل لتحرير المدينة من سيطرة تنظيم داعش بعد عام 2014 سيما في منازل المواطنين إضافة إلى عدم تنفيذ مشاريع البنى التحتية في مركز المدينة وبعض مناطقها اسهم في تأخر عودة النازحين اليها”.
وعلق محمد محمود الجبوري قائم مقام قضاء بيجي، قائلا: إن “نسبة كبيرة من النازحين عادت الى المدينة بالرغم من الوضع المآساوي الذي يعانيه مركز القضاء والمناطق المحيطة به، أما على مستوى الأمن والخدمات فإنهما تسببا في منع عودة الكثير من من العوائل النازحة والتي يعاني منها الكثير من صعوبات بالعيش داخل مدن النزوح والمخيمات”.
قال أيضاً إن “الأضرار الناجمة عن الصراع في مركز المدينة والتي أدت إلى إدراج القضاء ضمن المناطق المنكوبة في البلاد أدت إلى تأخير عودة النازحين، وهناك 12 ألف منزل مهدم في جميع مناطق القضاء، بالإضافة إلى 10 الاف أخرى متضررة بنسب متفاوتة”.
بيجي بحاجة إلى فرض سلطة القانون
وشكى القائم مقام من تأخر صرف التعويضات الخاصة بالمواطنين بسبب ما وصفها “الإجراءات البيروقراطية” التي تتخذها اللجان الحكومية المشكلة. وقال إن “الحكومة المركزية لم تقدم إي مجهود يذكر بالرغم من تشخيص المدينة منكوبة فيما هناك جهود محدودة لإعادة الحياة الى البنى التحتية من قبل المنظمات الدولية المختصة في مجال الإعمار كونها تصطدم في بعض المعرقلات أبرزها الوضع الأمني”.
قال خزعل حماد عضو مجلس محافظة صلاح الدين عن قضاء بيجي إن “الكثير من العقبات التي تعترض عودة نازحي مدينة بيجي اليها أبرزها عدم الشروع في تنفيذ برامج تتعلق بالمصالحة المجتمعية نتيجة التركة الثقيلة التي خلفها تنظيم داعش بين العشائر التي تقطن القضاء”.
قال أيضاً إن “قلة الخدمات وعدم وجود حركة اقتصادية تسهم في تشغيل الأيدي العاملة التي باتت تعمل في الكثير من المدن التي نزحت إليها، هو سبب آخر، وهذا ما يحتاج إلى دفع تعويضات مجزية لذوي الضحايا ليتمكنوا من ترتيب أوضاعهم الإقتصادية”.
قال حماد من جديد إن “جميع المدن التي شملها الصراع في صلاح الدين تعاني من فوضى على كافة المستويات وهي بحاجة إلى فرض حقيقي لسلطة القانون والنظام الأمر الذي أخر عودة الحياة اليها وهو ما انعكس سلبا على عودة النازحين بما في ذلك مدينة بيجي التي تعاني اهمال حقيقي”.
أكثر من 1،9 مليون عراقي لا يزالون نازحين
وكان الممثل الخاص للأمين العام في العراق يان كوبيش قال في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي لمجلس الأمن في آخر تقرير له عن العراق كمبعوث أممي، إن أكثر من 1،9 مليون عراقي لا يزالون نازحين داخليًا.
وذكر “كوبيش” في تقريره لاجتماع مجلس الأمن في نيويورك أمس الثلاثاء، أنه رغم مرور ما يقرب من عامين على من هزيمة “داعش” “لا يزال أكثر من 1،9 مليون شخص نازحين ، لا سيما في شمال وغرب البلاد”.
كما أوضح ممثل الأمم المتحدة في العراق، إنه “على الرغم من عودة 4 ملايين شخص إلى ديارهم منذ انتهاء النزاع، إلا أن معدل العودة قد انخفض بدرجة كبيرة”. وذكر أن الأطراف الفاعلة في المجال الإنساني تسعى إلى توفير “أفضل سبل تعزيز تمركز الحماية حول النساء والأطفال الذين يعتقد أنهم مرتبطون بالجماعات المتطرفة” في إشارة إلى ما يعانيه هؤلاء بسبب وصمهم بالانتماء إلى تنظيم “الدولة الإسلامية” وهو ما يترتب عليه حرمانهم من حقوقهم المدنية والعودة إلى مناطقهم.
وأوضح الممثل الأممي في آخر تقاريره لمجلس الأمن أن “أحد العقبات الخطيرة التي تقف أمام عودة النازحين هي أنه لم يتم تلبية الاحتياجات المتعلقة بإزالة الألغام من المباني السكنية من خلال الأطراف الفاعلة في مجال الإجراءات المتعلقة بالألغام”.