قالت صحيفة The New York Times الأمريكية في تقرير نشرته يوم الجمعة، إن المبعوث الأمريكي جيفري فيلتمان إلى القرن الإفريقي قضى أياماً في التنقل بين قائد الجيش السوداني ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك؛ سعياً لتفادي انهيار التحول الديمقراطي الهش في البلاد الذي استغرق الإعداد له عامين.

ففي سلسلة من الاجتماعات المحمومة في العاصمة السودانية الخرطوم قبيل الانقلاب، حاول جيفري فيلتمان، المبعوث الأمريكي إلى القرن الإفريقي، تهدئة الخلافات بين قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء المدني، عبد الله حمدوك، اللذين كانا يتشاركان السلطة منذ الإطاحة بالرئيس السابق عمر حسن البشير عام 2019.

في اجتماع أخير عصر يوم الأحد 24 أكتوبر/تشرين الأول 2021، قال البرهان بضرورة إقالة الحكومة السودانية وحل حكومة تكنوقراط محلها، لكنه لم يشِر إلى أنه يستعد للاستيلاء على السلطة. واتجه الدبلوماسي الأمريكي مطمئناً إلى قطر. ولدى هبوطه، أضاء هاتفه معلناً حدوث انقلاب في السودان.

من جانبه، قال نور الدين ساتي سفير السودان لدى الولايات المتحدة: “لقد كذبوا عليه” في إشارة إلى القيادة العسكرية لبلاده. وأضاف: “وهذا أمر شديدة الخطورة، لأنه حين تكذب على الولايات المتحدة، فستدفع الثمن”.

في سلسلة من المقابلات مع محللين وعدد من المسؤولين الأمريكيين والسودانيين والأوروبيين، ظهرت صورة لجيش تنامى استياؤه من شركائه المدنيين واعتزم الحفاظ على مكانته المتميزة وتجنب أي تحقيقات في شؤونه التجارية أو انتهاكاته لحقوق الإنسان خلال ثلاثة عقود من حكم البشير.

كما انتقد البعض أيضاً المعارضة المدنية لفشلها في تهدئة مخاوف الجنرالات من الملاحقة القضائية في فترة الانتقال إلى الديمقراطية، فيما قال مسؤول أمريكي إن روسيا شجَّعت الانقلاب على أمل اكتساب مزايا تجارية وميناء على البحر الأحمر.

جدير بالذكر أن التوترات بين المكونين المدني والعسكري تصاعدت في الأشهر الأخيرة، حيث صعّدت الجماعات المؤيدة للديمقراطية مطالبتها الجيش بترك السلطة للمدنيين وبأن تتولى الحكومة الانتقالية التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان والفساد في عهد البشير. وقال محللون ومسؤولون إن الجيش رفض هذه المطالب، خوفاً من أن تفضح أي إجراءات محاسبة مصالحهم الشخصية والمالية والحزبية.

من جانبه قال كاميرون هدسون، الباحث البارز غير المقيم في مركز إفريقيا التابع للمجلس الأطلسي: “كل هذا تراجع تكتيكي”، وأشار إلى أن الجنرالات وقّعوا اتفاقية تقاسم السلطة عام 2019 لتخفيف الضغط على الجيش، لا لأنهم مقتنعون بها. وقال: “الهدف الأساسي كان الحفاظ على الجيش”.

من المشكلات الخلافية الأخرى تسليم البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية، التي اتهمته بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم أخرى.

في حين قاومت القوات المسلحة وأجهزة المخابرات أيضاً الجهود المبذولة لكبح سلطتهما المالية الواسعة.

قال ساتي، السفير السوداني، الذي أعلن الجيش السوداني يوم الخميس 28 أكتوبر أنه أقاله مع سفراء آخرين أدانوا الانقلاب علناً، إن القادة المدنيين في الحكومة الانتقالية يتحملون جزءاً من مسؤولية انهيار العلاقات.

كذلك أضاف: “هناك شد وجذب واستفزاز متبادل بين الجانبين”. وتابع أن بعض المدنيين لم يفهموا أهمية تهدئة مخاوف العسكريين.

في ظل ارتفاع التضخم ونقص السلع الأساسية، واجه حمدوك الكثير من الضغوط أيضاً. يقول ساتي إنه تكنوقراط من حيث التدريب والطبع، ويفتقر إلى المهارات السياسية اللازمة لتخفيف التوترات.

قال: “كانت الأطراف كثيرة، والخلافات كثيرة، ولم تتوفر معرفة كافية لفهم متطلبات اللحظة. وقد قاوم بقوة وسرعة زائدتين”.

في سياق متصل، قال محللون إن البرهان لم يكن لينفذ هذا الانقلاب لولا الموافقة الضمنية على الأقل من حلفاء أقوياء في الشرق الأوسط. واثنان من هؤلاء الحلفاء، مصر والإمارات، لم يعلنا رفضهما الانقلاب بعد، بينما أدانته السعودية، وفقاً لما صرحت به وزارة الخارجية الأمريكية.