حملت نخب إسرائيلية وازنة من للتيار الديني الصهيوني مرجعيات هذا التيار الدينية وقياداته السياسية المسؤولية عن تعزيز الفكر المتطرف وإيجاد بيئة سمحت بتنامي التنظيمات الإرهابية. فقد جزم رئيس البرلمان الإسرائيلي الأسبق أبراهام بورغ بأن قطاعات واسعة من التيار الديني الصهيوني باتت تمثل تهديدا على مستقبل “الدولة” بسبب تحركها الدائم للتأثير على دائرة صنع القرار واتجاهات المجتمع الإسرائيلي بما يتوافق مع منطلقاتها الأيدلوجية المتطرفة.

 

وفي مقال نشرته صحيفة “هارتس” أوضح بورغ، أن المرجعيات الدينية عملت على إرساء دعائم منظومات قيمية تكرس التطرف الديني والقومي وتدفع نحو استسهال المس بالآخر، من خلال “إعلاء قيم: الفداء وقداسة الأرض”.

 

وأضاف بورغ، وهو نجل وزير الداخلية الأسبق يوسيف بورغ، الذي تزعم بعد الإعلان عن إسرائيل حزب “المفدال”، الذي كان يحتكر تمثيل التيار الديني الصهيوني، أن منظمة “شارة ثمن” الإرهابية، التي تستهدف الفلسطينيين ودور عبادتهم هي نتاج طبيعي للأفكار ومنظومات القيم التي تروج لها مرجعيات التيار الديني الصهيوني.

 

وأشار بورغ إلى أنه بتأثير المرجعيات الدينية فقد تحولت حفلات الزواج التي يقيمها الشباب المتدين إلى عروض للأسلحة النارية، حيث باتت أغنية “الانتقام” للمطرب دوف شورن، التي تحث على “فقع عيون الفلسطينيين هي الأغنية التي تتردد على ألسنة المحتفلين تعبيرا عن الفرح”.

 

ويرى أن  مبادرة المستوطنين اليهود من الصهاينة المتدينين إلى “سلب أراضي الفلسطينيين الخاصة تندرج في إطار الترجمة الفعلية للفكر المتطرف الذي ترسيه المرجعيات الدينية المتطرفة.

 

وحسب بورغ، فقد أسهمت المرجعيات الدينية بشكل كبير في تكريس التوجهات العنصرية تجاه العرب، مشيرا إلى قول الكثير من الحاخامات بأن العرب “شعب يشبه الحمار”. وحذر بورغ من أن “أخطر النجاحات” التي حققتها المرجعيات الدينية تمثلت في  إضفاء شرعية على استعجال بناء الهيكل الثالث على أنقاض المسجد الأقصى من خلال التمهيد لنشوب حرب يأجوج ومأجوج. وأوضح بورغ أن المرجعيات الدينية نجحت في إذكاء نار الحماس لتدمير المساجد والمحاججة بأن العرب “لا يفهمون إلا لغة القوة”، مشددا على أن هذا الفكر المتطرف هو الذي سوغ إحراق العائلات الفلسطينية، كما حدث في قرية دوما قبل عامين.

 

ويتبنى البرفسور يشاي روزين، أستاذ الفلسفة اليهودية في الجامعة العبرية تحذيرات بورغ، ويرى أن ما يفاقم التحدي الذي تمثله في الصهيونية الدينية حقيقة أنها تحافظ على تمثيل كبير في الحكومة والبرلمان، مما يعزز من قدرتها على التأثير على دائرة صنع القرارات المحورية.

 

وفي مقال نشرته “هارتس” أمس شدد روزين، وهو متدين، على أن الصهيونية الدينية باتت تتحكم في تحديد جدول الأولويات الوطني من خلال توظيفها لمشاركتها في الحكم. وأوضح أن نخب الحكم التي تنتمي للصهيونية الدينية تحرص فقط على مصالح القطاعات الأكثر تطرفا في هذا التيار، سيما المستوطنين في الضفة الغربية.

 

وضرب روزين مثالا على صور من صور توظيف ممثلي الصهيونية الدينية في الحكومة مرافق الدولة في خدمة هذا التيار بآلية عمل ما يعرف بـ “لواء الاستيطان” التابع للحكومة. وأضاف كان يفترض أن تعمل هذه المؤسسة على توسيع الاستيطان في الضواحي وسط إسرائيل، لكن بفعل تأثير التيار الديني الصهيوني في الحكومة فقد تحولت إلى ذراع لخدمة الاستيطان في الضفة الغربية وأداة لمصادرة الأراضي الفلسطينية.

 

وحسب روزين، فأنه حسب دراسة أعدها “معهد مولد” فقد تبين أن 74% من موازنة لواء الاستيطان تذهب لدعم البناء في المستوطنات في الضفة الغربية.

 

وأشار إلى أن مستوطنة مثل “بيت إيل” المقامة على الأراضي الفلسطينية في محيط رام الله تحصل على موازنات تفوق الموازنة التي تحصل عليها أي مجلس محلي داخل الخط الأخضر. وحسب روزين فأن ممثلي الصهيونية الدينية في الحكومة والبرلمان يحرصون بثبات على أن تحصل المؤسسات التعليمية الخاضعة لسيطرة هذا التيار على حصة من الموازنة تفوق بكثير نسبة الطلاب في هذه المؤسسات مقارنة بعدد مجمل طلاب إسرائيل.

 

وأضاف أن وزارة التعليم لا يحق لها التأثير على مضامين مناهج التعليم في المؤسسات التعليمية الخاصعة للتيار الديني الصهيوني على الرغم من المزايا المادية التي تمنحها الدولة لها.

 

وكان الكاتب يوسي كلاين قد فجر قنبلة مدوية عندما اعتبر في مقال نشرته صحيفة “هارتس” قبل أسبوع التيار الديني الصهيوني تهديدا “يفوق  التهديد الذي يمثله حزب الله”. وحاجج كلاين في مقاله، الذي ترك أصداء واسعة، بأن مستقبل إسرائيل، التي لا توجه حاليا أي تهديد وجودي من الخارج، بات غير مضمون بسبب تعاظم تأثير التيار الديني الصهيوني على مقاليد الأمور في الحكومة والدولة.

من د. صالح النعامي

صحفي فلسطيني، باحث في الشأن الإسرائيلي، دكتوراة في العلوم السياسية