تخيل معي أخي الكريم عندما يلقبك رسول الله بلقب لم يلقبه لأحد غيرك “سيف الله المسلول”.. أي شرف هذا..

 

تعالوا معي لنتعرف علي سبب هذا اللقب من القائد الأعلى صلى الله عليه وسلم إلي قائد الجيوش الإسلامية الجديد..

 

في غزوة مؤتة (8 هـ – أغسطس 629 م.).. كان الجيش الإسلامي ثلاثة ألاف مقاتل في مواجهة 200 ألف من جحافل الروم والغساسنة، حيث سار الجيش ثأرا لمقتل رسول أرسله رسول الله (ﷺ) إلى الغساسنة وقتل وفد أوفده الرسول إلى بعض تلك القبائل لتعليمهم الإسلام فغدروا بهم، وأي جريمة كانت، فإنها بمثابة إعلان حرب، فوجبت الحرب.. وأي معركة رهيبة كانت.. وما إن دارت رحى المعركة، إلا ورسول الله (ﷺ) في المدينة يطلعه ربه على مجرياتها وأصحابه بما يجرى فيها بالبث المباشر أولا بأول.. وبعد استشهاد قادة الجيش الثلاثة زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة.. حيث استشهدوا بالتتابع تماما كما رتبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقيادة الجيش. اختار الجيش خالد بن الوليد قائدا، لخبرته وحنكته رغم حداثة إسلامه، إن ذاك إذ لم يكن مر على إسلامه أكثر من ثلاثة أشهر، وكان نعم الاختيار!

 

وكانت أول معركة يقودها خالد تحت راية الله ورسوله (ﷺ)، معركة نتيجتها محتومة وهي هلاك جيش المسلمين كاملا بعدده القليل أمام هذه القوة الجبارة، ولكن تولى خالد للقيادة كان له رأى آخر!!

 

إذا يجب أن ينسحب بجيشه، ولكن كيف ينسحب وهو في براثن هذه القوة الرهيبة، حتى لو هرب بأقصى سرعة ستلاحقه وتفنيه، -وبالطبع نعلم نتائج الانسحاب غير المنظم للقوات تحت إمرة قائد غير مسئول كما حدث في نكسة يونيو 1967 وأوامر المشير عبد الحكيم عامر بالانسحاب غير المنظم!

 

لقد بدأ خالد خطته بإلقاء نظرة عامة على المعركة، ووضع خطته وبدأ في تنفيذها سريعا، ولم يكن خالد القائد المخطط فقط، بل مقاتلا صنديدا رهيبا، ففي يوم مؤتة كسرت في يده تسعة سيوف، إننا نعلم ما معنى انكسار سيف من شدة القتال، فما بالنا بتسعة أسياف تتكسر ولولا أن حارب بعد ذلك بسيف يمني لأصبح التسعة أسياف مائة في يد قائد الجيش!!

 

لقد كانت خطة خالد كما يلي:

لقد بدل الميمنة ميسرة والميسرة ميمنة، وجعل مؤخرة الجيش تثير الغبار الكثيف بخيلها ورجالها، ثم أخذ قسما من جيشه قسمه جماعات.. وأمرها أن تبتعد عن مكان المعركة، ثم تنضم إلى المعركة مجموعة تلو الأخرى من مكان إثارة الغبار خلف الجيش مهللة مكبرة، فيكبر الجيش كله معها، وتعلو صيحة الله أكبر مزلزلة قلوب العدو.. وفعلا انطلت الخدعة على الروم، غبار وجماعات تتلو جماعات وتكبير.. إذًا هو المدد، فإن كان هؤلاء الآلاف الثلاثة صمدوا هكذا، فما بالنا بهم إذا جاءهم المدد تلو المدد.. وبين ذلك كله، يأمر خالد جيشه بالانسحاب.. انسحاب تكتيكي منظم لجيش بدا وكأنه يزداد قوة أمام عدوه، وما ذلك إلا أن يفسر كفخ.. وهكذا فعلا فسرها قادة جيش الروم، بالتأكيد جيش المسلمين يجتذبهم إلى فخ في قلب الصحراء، لذا خافوا أن يلاحقوهم خشية هذا الفخ المزعوم فهربوا هم أيضًا!

 

ونجا خالد بجيشه بانسحاب تكتيكي منظم مبتكر، ولم يرض رسول الله (ﷺ) بوصفهم بالجيش الفرار كما وصفهم أهل المدينة، فهذه أول واقعه انسحاب لجيش المسلمين بعد غزوة أحد، فوصفهم بالكرار لا الفرار، وقدر لخالد حسن صنيعه وتخطيطه، بل وأنعم على خالد بلقب سيف الله.

 

سبحان الله..

كما كان خالد سبب الانسحاب المنكسر في أحد للمسلمين، كان هو أيضاً سبب الانسحاب المنتصر في مؤتة.

 

سر بقوتك إلي قلب المخاطر وستنجو منها،

فالخطر له تأثير مقوي يظهر شجاعة الرجال

وأي قائد محب للمخاطر مثل سيف الله!!

 

فعندما أصبح مجرد جندي بقيادة أمين الأمة أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه..

 

وفي بلاد الشام كان لا ينام ولا يترك أحدا ينام

 

فلقد تصيد خالد الذي كان بعد سبعين يوما من الحصار، خطأ لحراس أسوار مدينة دمشق المنيعة التي يحاصرها، حين كان يوم عيد لهم فأسرفوا في الشراب ليلا، حيث كانوا يتوقعون المعارك نهارا كما هو متعارف في زمنهم، غير أن سيف الله خالد الذي لا يغفل عن عدوه رصد خطأهم، فهاجم الأسوار ليلا وقت سكرهم، ونجح في دخولها وفتحها، وما إن فتح هو وقواته جانبا منها، إلا واستسلمت باقي أركانها سلما لقوات القائد أبو عبيدة ابن الجراح لما رأوا من بأس وشدة خالد ورجاله، لقد طابقت خطة خالد: القائد الماهر بأن يتفادى الهجوم وقت ارتفاع معنويات عدوه، ويتحين الهجوم وقت خموله وكسله.

 

إذا كنت لا تريد القتال، فاعمل علي خداع العدو ولا تجعله يعرف ذلك.

من ينتصر يعرف جيدا متى يقاتل ومتى لا يقاتل.

 

خالد.. لا يقاتل!! خالد.. ينسحب!!

 

نعم،.. ولم لا… لأنه يعرف جيدا متى يقاتل ومتى لا يقاتل، شأن أي قائد حكيم يخاف علي قواته، و لا يوردها المهالك او يفنيها دون هدف يستحق ولهذا أستحق بجدارة لقب.

 

“سيف الله المسلول”

 

✍️ فاقصص القصص لعلهم يتفكرون

من محمد أبو صهيب

كاتب وباحث