أخلطت لجنة الحوار حسابات الكثير من الناس، وعاد أولئك الذين طالما طبلوا لبوتفليقة وأجروا خيلهم في مضماره، إلى عادتهم القديمة في المسارعة إلى (البيعة) والنوم على عتبة باب (كريم يونس) طلبا لرضاه وبركاته، بعد أن أوهموا الناس طيلة شهور الحراك أنهم تابوا عن دناءتهم وتحولوا إلى (نوفمبريين باديسيين)، وهو الشعار الذي استعمله الكثير من مفسدي الأمس ليخدعوا الشعب اليوم..ووصلتني رسائل كثيرة تسأل: ما الذي يحدث؟

 

لقد اكتشفت لجنة الحوار مفتاح الأغلبية المسحوقة، وعرفت النغمة التي تحبها هذه الأغلبية المخدوعة منذ الاستقلال فقررت أن تعزفها لها.. لتعود للنوم ثانية.. وكان المخطط كالآتي:

 

لأنّ الأغلبية عاطفية، وتسير وفق مبدإ (عدو عدوي صديقي)، فقد تم الاتفاق على مسرحية (راج)..حيث يقوم شباب من راج بمهاجمة اللجنة، فتتعاطف الأغلبية مع اللجنة لأنها تكره راج، ومن خلال ذلك تستطيع اللجنة إقناع هذه الأغلبية أن الدولة العميقة وأن الفرنكوبربريست يريدون القضاء على الحوار لأنه يؤدي إلى الانتخابات، وبالتالي لا بد أن تقف هذه الأغلبية مع لجنة الحوار نكاية في الدولة العميقة وراج والفرنكوبربريست.. وبعد ساعات قليلة من عرض المسرحية محكمة الإخراج، رأينا الكثير من أبناء الأغلبية ينساقون للساحر ويعلنون دعمهم للجنة الحوار..

 

لقد أدركت لجنة الحوار أنّ الأغلبية مع الانتخابات، وأنّ الأقلية لا حظ لها في الفوز بهذه الانتخابات، فكان المخطط كما يلي:

 

يتمّ ضرب نقاط قوة الأغلبية لإضعافها قبل الانتخابات، ومن ذلك:

 

– استقطاب شخصيات كانت مع بوتفليقة، لكنها اليوم ضمن التيار (النوفمبري الباديسي ) لاستعمالها طعما لاستدراج الكثير من (النوفمبريين الباديسيين) إلى مشروع اللجنة.

 

– إرسال رسائل إلى قوى أجنبية مؤثرة، ومنها فرنسا وإسرائيل، عبر ضمّ أشخاص إلى لجنة (الحكماء) لهم ولاءات أو علاقات مع هذه القوى، وبذلك تحصل اللجنة على مباركة ودعم هذه القوى دوليا..

 

– وضع خريطة للوعاء الانتخابي للتيار الشعبي الذي في مواجهة الفرنكوبربريست، لتفكيكه وإضعافه وتشتيته..

 

– تفجير الوعاء الانتخابي لجبهة التحرير الوطني، بدعوة مناضليها لتجاوز قيادتها والمشاركة في الحوار في الحوار عبر قيادة جديدة يكون ولاؤها للجنة الحوار وللدولة العميقة.

 

– تفكيك كيانات وأحزاب معينة، ببث الفرقة والتنافس في صفوفها وبتجاوز اللجنة لقياداتها واصطفاء قيادات موالية لها منها، كما حدث مع الاتحاد الطلابي الحر، إذ دعت اللجنة منه جهة، لتحرك جهة أخرى تنكر تمثيل الجهة المدعوة للاتحاد..

 

– تحييد الحراك عن الانتخابات، ودفع الملايين من الناس إلى إعلان مقاطعة الرئاسيات القادمة.. عبر استفزازهم بأمور وتصرفات، منها (نوعية أعضاء اللجنة).. إذ تعمد اللجنة إلى تنصيب أعضاء مثيرين للجدل ومرفوضين شعبيا ولا يمثلون تضاريس البلاد، وهو ما يدفع الملايين إلى الكفر باللجنة وبالانتخابات..

 

وبهذا.. ستفرز هذه الخطة ثلاثة كيانات..

 

1- الكيان الفرنكوبربريستي..بكل نقاباته وأحزابه وجمعياته وشخصياته ولوبياته.. ولكون هذا القطب يملك تنظيما عاليا وشبكة تواصل داخلية كبيرة، وقدرة على الحشد السري، فسيكون قطبا واحدا في الانتخابات، عبر مرشح واحد في السر، بينما يعلن في الظاهر أنه ضد لجنة الحوار وضد الانتخابات وأنه لن يشارك فيها.. ليغرر بالبسطاء من التيارات الأخرى ويدفعهم إلى المقاطعة ليخلو له الجو..

 

2- كيان الحراك، الذي ستدفعه الآلة الإعلامية للدولة العميقة مع الاستفزازات المقصودة التي ستتعمدها لجنة الحوار، إلى إعلان مقاطعة الانتخابات..

 

3- الكيان المواجه للدولة العميقة.. والذي يعرف عنه أنه تيار غير منظم ولا موحد ولا له قراءة جيدة للأحداث..وهذا سيتعرض للتفكيك والتدمير قبل الانتخابات، وسيتم إشعال الحرب بين مجموعاته وكياناته التي ظهر أكثرها حديثا، وتحييد قياداته المؤثرة، بصناعة قيادات جديدة من الزمن البوتفليقي، تتحدث باسم ( النوفمبرية والباديسية)..كما سيتم استعماله لضرب جبهة التحرير الوطني، باسم (محاربة الرداءة)، بينما الفرنكوبربريست يتمسكون بكل مكوناتهم (الرديئة) ومنها (الأرندي) و(الأفافاس) و(الأرسيدي)..

 

هذه الخطة ستنتهي إلى تحويل (الأغلبية) إلى أقلية، عبر تشتيتها بين المقاطعة وبين التشتيت والتمزيق.. وتحويل الأقلية إلى أغلبية عبر رص صفها وتوحيد أدائها.. وبذلك تحسم الانتخابات للأقلية التي ستتحول إلى أكثرية..

 

سيسأل البعض كالعادة:

 

والحل؟

 

الحل في أن لا تقع الأغلبية المسحوقة في ما وقع فيه الحراك فضاع ولم يعد شيئا مذكورا.. وهو (عدم التمثيل)..

 

إذا لم تستطع الأغلبية المسحوقة هيكلة نفسها في أقرب وقت، وصناعة تكتل انتخابي، فيه (الأفلان) باعتبار ذلك دهاء سياسيا، فستنتهي..

 

كما أنّ من الواجب على الأغلبية وهي تتحول إلى تيار سياسي وانتخابي، أن تفك الارتباط مع (الجيش) فكا تكتيكيا.. لأنّ هناك من يصعد درجات سُلّم النوفمبرية الباديسية اليوم بسرعة، ليكون مثلا لها بالإيحاء بأنه مقرب من الجيش.. رغم أنه كان من وجوه الفترة البوتفليقية البائسة.

 

على الأغلبية أن تختار قيادة مدنية، تؤطر بها تيارها، وتنظّم بها مسيرة رحلتها نحو الانتخابات.. رغم أن هذا أمر يكاد يكون مستحيلا بالنظر إلى عقلية الأغلبية التي ألفت الخلاف والجدال والتفرق والعبودية..

هذه الأغلبية، لن تحقق شيئا، ولن تبدأ خطوتها الأولى الجادة في مشروع مواجهة المشروع المقابل، ما لم تُنتج قيادتها المدنية..

 

لماذا القيادة المدنية؟

 

لأننا لاحظنا أنّ الطرف الآخر استولى على لجنة الحوار، ولجنة الحكماء، وسيستولي على الهيئة الانتخابية، وعلى الرئيس القادم.. بينما النوفمبريون والباديسيون لم يتقدموا خطوة واحدة، ولم يفعل الموالون منهم للجيش أكثر من انضمام بعضهم إلى (الجنة) تابعين، بينما حزب مثل الأفلان يستجدي مشاركته في الحوار بذلة، بدل أن يسعى إلى إيجاد القطب السياسي الذي يقف في وجه قطب الدولة العميقة.. وبالتالي فإن هذا التيار الباديسي النوفمبري يعيش في وهم أنه قطب مستقل، بينما هو في الواقع جزء من مشروع ( لجنة الحوار) ومحكوم بما ستفرزه، وإذا فصلت اللجنة انتخابات على مقاس معين، فسيكون عليه فقط أن يلبس ما فصلت، أو أن يقاطع..

 

ولئن كانت الأغلبية في شق محاربة الفساد، مطالبة بدعم مشروع الجيش، فإنها في الجانب السياسي لا بد من هيكلة نفسها، لأن الجيش لا يستطيع أن يخوض الانتخابات نيابة عنها..

 

لا حديث اليوم للأغلبية المسحوقة يعني شيئا، إلا بعد أن تنتج قيادتها.. وإلى ذلك الحين..سيبقى كل ما تفعله بلا معنى.. لأن الذي سيحسم الأمر في الأخير هو الانتخابات لا محاربة الفساد…

 

وكما فعلت الدولة العميقة بالحراك حين منعته من إنتاج قياداته وممثليه، فهي تسعى اليوم بكل ما تملك لمنع الأغلبية المسحوقة خاصة في الجنوب من إنتاج ممثليها.. ولئن استمر هذا الوضع شهرين آخرين، فستكون هذه الأغلبية عاجزة عن خوض الانتخابات موحدة، ولا أمل لها بالفوز فيها.

 

لا سبيل اليوم أمام الأغلبية المسحوقة والتيارات الأصيلية، سوى أن: تفشل لجنة الحوار.. أو تنصاع لقراراتها فتدخل الانتخابات في الجبة التي تفصلها لها.

 

وحين لم تستطع هذه الأغلبية الاجتماع وإيصال صوتها برفض هذه الجنة وما ينتج عنها، فستجد نفسها أمام الخيار الوحيد المتبقي وهو أن تذهب إلى الانتخابات التي ستفصلها اللجنة أو أن تقاطعها، وكلا الأمرين (زفت)..

خطة تحويل الأقلية إلى أكثرية قبل الانتخابات الجزائرية