في ظل تعرض مصر لحالة شديدة من شح المياه عقب تفاقم أزمة سد النهضة الإثيوبي، يرى خبراء مصريون أن هناك حاجة ملحة لتحويل مجرى نهر الكونغو وربطه بنهر النيل للاستفادة من ألف مليار متر مكعب تلقى في مياه المحيط الأطلنطي،

وبحسب الخبراء الذين تحدثوا لجريدة “الأمة” فإن فكرة تحويل مسار نهر الكونغو وربطه بنهر النيل سيجعل القاهرة والخرطوم لا تفكران في أي شح للمياه خلال النصف قرن القادم، خاصة بعد تعثر مفاوضات سد النهضة وتهديدات إثيوبيا المتكررة باستكمال الملء الثاني لخزان السد في أول يوليو المقبل.

المياه مقابل الكهرباء

الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، اعتبر أن فكرة اللجوء لربط نهري النيل والكونغو، تبدو وكأنها “بلا بديل” إذا نظرنا لحجم الفائدة العائدة منها خاصة وأن نهر الكونغو من الأنهار الضخمة وتصل تدفقات المياه به نحو 1284 مليار متر مكعب، يتم التخلص من 80% منها في مياه الأطلنطي.

وفي تصريحات لـ”الأمة” قال الخبير المائي، إن الكونغو أعلنت في وقت سابق موافقتها على هذا المشروع العملاق، شريطة استفادتها من توليد الكهرباء وعمل تنمية حقيقية حول هذا المشروع، إلا أن بعض الخبراء المصريين رفض المشروع بحجة ارتفاع تكاليفه.

وأمضى نور الدين قائلًا، إن حقن نهر النيل بمياه نهر الكونغو سيزيد تدفقاته بنحو 100 مليار متر مكعب، خاصة أن العجز الصافي في المياه لدينا بلغ 42 مليار متر3، وتقليل هذه النسبة مرتبط بإعادة تحلية مياه الصرف الصحي لتقليل العجز إلى 22 مليار متر3، ونسبة العجز هذه حتمًا سترتفع عام 2050 إلى 85 مليار متر 3، نظرًا لارتفاع الزيادة السكانية، ولهذا نحتاج لرافد كبير ودائم من المياه لتعويض هذا النقص، ولا يتمثل الآن سوى في ربط النهرين”.

تكلفة باهظة

وعن المشاكل التي تعيق هذا المشروع، قال الخبير المائي إنه لا توجد أية عوائق قانونية أو فنية سوى تقديرات وزارة الري التي رأت أن الفكرة صعبة، وستبلغ تكلفتها من 20 إلى 25 مليار دولار، وهذا المبلغ إذا ما قورن بحجم المياه العائدة من هذا المشروع والتي تقدر بـ100 مليار متر 3، نجد أنها تفوق إجمالي المياه المتدفقة من نهر النيل والبالغة 85 مليار متر3، وتحتاج لتكاتف الدولة والبحث عن مصادر مالية لإتمام هذا المشروع بدلًا من التعويل على ندرة النفقات.

وأيده في الرأي الدكتور عمرو هاشم ربيع، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، الذي شدد على ضرورة سعي مصر لتنفيذ مشروع ربط نهري الكونغو والنيل.

وفي مقال نشره في جريدة “الشروق” المصرية، قال ربيع، إنه لا توجد أية اتفاقات دولية تحكم مسار نهر الكونغو وتمنع قيام هذا التحويل، أى أن المشروع لن يخالف اتفاقات دولية قانونية قائمة، ولا يمكن أن تمانع الكونغو حال استفادتها بالكهرباء التي ستجعلها أكبر منتج للطاقة الكهربائية في أفريقيا.

مشروع القرن

ورأى أن هذا المقترح تزيد أهميته عن توسعة قناة السويس عدة مرات، بل لا نبالغ إذا ما قولنا بأنه “مشروع القرن”، لأنه سيغنينا عن أي حلول أخرى، بما فيها مشروع قناة جونجلى بدولة جنوب السوان، أو أية مشروعات فرعية داخل الدولة لترشيد المياه.

عقبات وعوائق

في المقابل يرى الدكتور أحمد دياب، الخبير المائي بالأمم المتحدة، وأستاذ الموارد المائية بمركز بحوث الصحراء، إن هناك عدة مشكلات تعوق البدء في هذا المشروع العملاق منها مشكلات فنية تتمثل في عدم استيعاب نهر النيل لكل هذا الكم الفائض من مياه نهر الكونغو والمقدر بألف مليار متر مكعب تلقى في مياه الأطلني، وأخرى تتعلق بحجم التمويل البالغ عشرات المليارات من الدولارات، بجانب مشاكل قانونية تلزم مصر بموافقة دول حوض نهر الكونغو.

وفي تصريحات لـ”الأمة” قال الخبير المائي بالأمم المتحدة، إن مجرى نهر النيل في جنوب السودان لن يستوعب سوى 15 مليار متر مكعب جديدة، وعند إجراء المزيد من الأبحاث وتطهير مجرى النيل من الحشائش والأعشاب ربما يستوعب 30 مليار متر مكعب كد أقصى وهنا تكمن مشكلة جديدة متمثلة في 970 مليار متر مكعب لا يوجد مجرى يستوعبها على الإطلاق.

وبين أن المشاكل القانونية المتعلقة بالسد ليست بالسهولة التي تحدث عنها أقرانه كونها تحتاج لموافقة دول حوض نهر الكونغو البالغ عددهم 6 دول، بالإضافة إلى موافقة دولتي السودان، وهو أمر في غاية الصعوبة ويحتاج جهد كبير من الدبلوماسية المصرية البعيدة نوعا ما عن قلب إفريقيا.

يشار إلى أن مباحثات “كينشاسا” التي استضافتها مؤخرًا دولة الكونغو، لإيجاد حلول ترضى جميع الأطراف، باءت بالفشل بعد رفض أديس أبابا، كل الحلول والمقترحات المصرية والسودانية فيما يتعلق بالملء الثاني لخزان سد النهضة وآليات التشغيل.