إن ثوار الأمس، معارضي مرسي، العائدين من مربع الانقلاب بخفي حنين، هم من أثاروا عاصفة من الغبار الكثيف حول نجاحات فصيل قوي استطاع أن يسحب جسد الثورة من بركة وحل لم يكن العسكر بقادر على إغراق مصر فيها، لولا أن منحوه غطاء ثوريًّا مرقعًا، فدعوه في يونيو (حزيران) وهم غارقون في أحلام وردية مناهم بها، فلما أفاقوا ووجدوا أيديهم ووجوههم قد لطختها دماء يناير (كانون الثاني) وأغسطس (آب)، لم يكن أمامهم سوى وصم ثورة مصر بالفشل والترويج لسذاجة من قادوا يناير من جماعة الإخوان ليلفتوا النظر عما اقترفوه.

 

دعونا نكمل:

 

الخطوة السادسة: وعدت الجماعة بعدم تقديم مرشح لها لشغل منصب رئيس للجمهورية، ولكن بعد أن وجدت أن النظام القديم قد قدم شفيقًا مرشحًا قويًّا مدعومًا برءوس حراب الدولة العميقة، وأن الطرف الثالث العسكري الذي ظهر رأسه بعد انقلاب 2013 قد طرح وجوهًا تصلح أن تكون «عدلي منصور» المرحلة، بالإضافة إلى أنه كان قد أجهز على أسماء تصلح لتمثيل الثورة؛ وبعد أن انسحبت القوى التي تحتكر وصف المدنية حصريًّا لنفسها فلم ترشح رمزًا يمثلها، وبعد أن لاقت الجماعة رفضًا لعروضها على بعض الشخصيات التي رأت منها حيادية وتمثيلًا لجميع القوى؛ هنا عقدت الجماعة مجلس شوراها وقدمت مرشحها الذي فاز فيما بعد. اتهمت القوى «المدنية» الإخوان بالكذب بسبب اتخاذهم هذ القرار، ربما لتلهي الناس عن مساءلتها عن سر عدم تقديم ممثل للثورة من فريقها، وهي من مثلت شرارة الثورة الأولى! أنقذت الجماعة في هذه اللقطة الثورة من انقلاب ديمقراطي حاكه العسكر، ولكن من جبنوا شوهوا الوجه النبيل لهذه اللحظة.

 

الخطوة السابعة: كان عدد الوزراء والمحافظين المعينين من قبل الرئيس لا يتعدى أصابع اليد الواحدة تحقيقًا لمبدأ التوافق، ولكن من لم يرغبوا في المشاركة من المعارضين أشاعوا أجواء فاسدة من الاتهامات للجماعة بالفاشية و«التكويش»، وهم لم يمدوا لمصر يدًا منذ بداية فوز مرسي إلا وكانت تحمل معولًا لهدمه، غير آبهين بكونه آخر مكتسبات ثورة شاركوا فيها.

 

الخطوة الثامنة: زار الرئيس المنتمي لجماعة الإخوان مختلف دول العالم مثل فيها المصريين وثورتهم تمثيلًا مشرفًا، وأكاد أجزم أن كثيرين لم يستمعوا لخطاباته خلال تلك الرحلات، واكتفوا بمختصر فكاهي مبتذل في حلقات «التوك شو» ليلًا، كما فعلوا مع جلسات مجلس الشعب الذي كانت تذاع جلساته نهارًا. قدم الرئيس محاولات لغلق صنابير الفساد واسترداد الحقوق المنهوبة ومحاسبة قاتلي الثوار، ووقف سيطرة صندوق النقد الدولي رأفة بالمواطن، الذي كان يشكو من زيادات طفيفة لا تقارن بمذبحة الأسعار التي يعانيها اليوم.

 

الخطوة التاسعة: شكل مجلس النواب أول لجنة لإعداد الدستور، التي اتهمتها القوى «المدنية» بأنها «إخوانية»؛ نظرًا إلى سيطرة «الإسلاميين» على نصفها، كما اتهمت المجلس نفسه من قبل، ولا أدري ما العجب في أن يختار شعب أغلبيته الكاسحة من المسلمين ممثلين عنه ذوي خلفية إسلامية؟! وهل التوافق يقضي بأن يتنازل من يمثلون الشعب تمثيلًا حقيقيًّا لصالح من عاشوا عقودًا لا يعلم رجل الشارع البسيط عنهم شيئًا؟! رفعت القوى «المدنية» قضايا تلقفها قضاء النظام القديم بصدر رحب، وحل البرلمان. كان هذا القرار محاولة من الطرف الثالث لجر الرئيس الجديد لصدام مع القضاء وأجهزة الدولة؛ وتفاديًا لذلك، قبل الرئيس القرار، وكان مجلس النواب قد أفلت بتشكيل لجنة إعداد دستور جديدة. أعلن الرئيس أنه سيدعو لانتخابات مجلس نواب جديدة فور استفتاء الشعب على الدستور الجديد.

 

الخطوة العاشرة: خاض الرئيس معارك ليوفر حماية للجنة الدستور عبر إعلانه الدستوري الثوري الذي عارضه القاصي والداني، ومن ثم ألغاه، وبالفعل خرج الدستور للنور، واستفتي عليه الشعب، وجرى إقراره.

 

الخطوة الحادية عشر: أقال الرئيس قيادات كثيرة بجهازي الشرطة والجيش، غير أن مؤيديه كانوا يطمحون في نسف كلي غير واقعي للجهازين، فهل من العقل أن يتخلص من مؤسستين مسلحتين مسيطرتين بهذه السهولة، وقد تشرذمت قوى الثورة؟!

 

الخطوة الثانية عشر: أعاد الرئيس التحقيقات والمحاكمات في جرائم القتل والشروع في قتل وإصابة المتظاهرين، وجرائم الإرهاب التي ارتكبت ضد الثوار بواسطة كل من تولى منصبًا سياسيًّا أو تنفيذيًّا في ظل النظام السابق؛ وذلك وفقًا لقانون حماية الثورة وغيره من القوانين، وكان على وشك إعلان النتائج.

 

الخطوة الثالثة عشر: منع الرئيس انقلابًا عسكريًّا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012، حين استدعت قوى المعارضة الجيش ليقوم بمبادرة للتدخل في نظام الحكم، ولكنها لم تيأس، فشوهته وجماعته إعلاميًّا، ثم استدعت الجيش للمرة الثانية في يونيو 2013. أيلام الرئيس على ارتكاب معارضته جريمة خيانة عظمى بتآمرها مع عسكر يمثلون دولة عميقة، لم تعط الثورة فرصة للخلاص منها، أيتهم بالفشل في دحر انقلاب جرى تحت مظلة دولية للخلاص منه؟!

 

الخطوة الرابعة عشر: بعد احتدام احتجاجات المعارضة ضده، دعا الرئيس لجلسات توافق وطني ولم يحضرها، مع وعد بتنفيذ كل ما يتوصل إليه الحاضرون أيًّا كان قرارهم، رفضت المعارضة الحضور لأنها كانت قد عقدت النوايا على خلعه، ضاربة بمصالح الوطن وبالديمقراطية عرض الحائط. عرض الرئيس على البرادعي منصب رئيس الوزراء كما عرضه من قبل على أيمن نور وحمدين صباحي، ولكنه رفض متعللاً بأن صدامًا سيحدث بين جماعة الإخوان وبين الجيش، وستصير مصر بالكامل إليه، فلم عليه أن يوافق؟! لكنه وافق فيما بعد أن يكون نائبًا للمنقلب! وافق الرئيس على البنود التي اجتمعت عليها المعارضة وسردها المنقلب في بيانه ذي ال48 ساعة، ومع ذلك خرج الكاذب في اليوم التالي ليدعي أن الرئيس لم يوافق عليها.

 

اليوم، على الجميع أن يتوقف عن ترديد أكاذيب لفقت، وأن يعي واقع ما جرى في مصر. لقد نجحت مصر في انتخاب مجلسي شعب وشورى، ورئيس جمهورية،وكتبت دستورًا عظيمًا، وكانت تسير على طريق ديمقراطي نحو مزيد من الحقوق، ولكن ذلك لم يكن ليسمح به عدو متربص. إن ثورة مصر ثرية غنية بالدروس لمن يريد أن يتعلم، ولكن عليه أن يبصر حقائقها بعين الإنصاف والحياد والتحليل والنقد. في رأيي تعد ثورة مصر من أصعب ثورات المنطقة، وما زالت تسري كنار تحت الرماد، فليحذر الظالمون.