اعتاد مؤيدو تكفير المنقلب وكهنته وأتباعه على إسقاط قصة سيدنا موسى عليه السلام وفرعون على ما يجري بمصر، وبالفعل يكاد أن يكون مطابقا؛ إلا أن فرعون ووزراؤه وجنوده وسحرته وشعبه كانوا كفرة كفرا بواحا؛ أما اليوم، وبرغم المعاصي والزلات والكبائر، إلا أن شعب الطاغية مازال مؤمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله؛ كذلك يخلط مؤيدو التكفير بين المنقلب وأنصاره، وأئمة النفاق والردة، وبين العوام، فيستسهلون إطلاق الحكم، بل ويصل الأمر أحيانا أنهم يتهمون من يرفض تعميم إطلاق الحكم بالكفر!

 

في رأيي، أن رضا المنقلبين بالإسلام دينا هو أشبه بقوس المطر، تتعدد أطيافه وتتداخل، وكل طيف هو قوس مطر في ذاته تتدرج ألوان الالتزام فيه بالعقيدة الإسلامية والشريعة المطهرة من الردة إلى الجهل؛ فلا يجوز تعميم الحكم إلا بعد التثبت والمراجعة والاستتابة. ولا يجب أن يغفل من يحكم بالكفر تحقق بعض موانع التكفير في غالبية مسلمي مصر وهي الإكراه، والخطأ، والجهل، والتأويل. إن ما تمر به مصر وبلاد الإسلام في العصر الحديث أشبه ما يكون بالعصر الجاهلي، فالإسلام يعود غريبا كما نبأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

يبدأ طيف قوس المطر باللون الأحمر، لون يحبه السفاح الذي تم تجنيده ليمسك بزمام الحكم؛ فأظهر بغضه الدفين للإسلام في كل موضع، فهو من قال أنه لن يسمح بقيام دولة إسلامية في المنطقة، ودعا لتبديل شرع الله في الطلاق، أول سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وفق هواه، ففي نظره أن أحكامه قديمة لا تصلح لحكمنا، وقد مر عليها أكثر من ألف سنة، جاهد لتفريغ الإسلام من محتواه تحت مسمى الإسلام الوسطي، شوه الدعاة وحفظة القرآن واتهم كل من يخالفه أنه ضد إسلامه الحصري، وسمح لشيوخه أن يفتوا بأن معارضيه خوارج مستحقين للإعدام، هدم مساجد الله التي يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها، استدعى أعداء الإسلام في كل مكان لمحاربة المسلمين مجيزا لهم قتلهم تحت ذريعة  الإرهاب، فضحه لسانه بكلمات كفر حين قال أن كل ما لا يرضي الله هو معه وسيدعمه ، وحين دعت مذيعة في لقاء معه بأن يوفقه الله إلى ما يحب ويرضى، ضحك منها ساخرا رافضا جملة (ما يحب ويرضى)، وصم الإسلام بأنه دين إرهاب فجرأ على المسلمين كل ذئب يعوي حين قال أنه ليس من المعقول أن يقتل 1.6مليار (قاصدا المسلمين) سبعة مليار ليعيشوا هم. هذا الطاغية فسر لنا لِمَ لَمْ يكفّر العلماء الحجاج بن يوسف الثقفي برغم كل جرائمه، ببساطة لأنه كان ملتزما بدين الله فلم يستعن بالصليبيين مثلا لقتل المسلمين ولم يبدل دين الله ولم يحاربه، بل على العكس كان يقاتل لرفعته. أفتى علماء نرضى دينهم بكفر المنقلب وردته، وأظن أن باقي العلماء لا يعلنون موقفهم خشية فتنة أعظم تعمق الفرقة بين المسلمين وتزيد وهنهم.

 

يلي اللون الأحمر آخر برتقاليا، وهو يعبر عن حاشية الطاغية وأعوانه، من مخابرات وقيادات جيش وشرطة وقضاة وشيوخ وقساوسة وإعلام، يسيرون وفق رغباته، ينفذون طموحاته عن رضا تام، مع سبق الإصرار والترصد؛ غير مجبرين، بل إنهم يسعون لذلك ويبذلون في سبيله كل عزيز.

 

ثم يأتي اللون الأصفر الذي يمثل وزرائه ونواب برلمانه والمنتفعين من نظامه من رجال أعمال وسياسيين، هؤلاء المشتاقين دوما، المتبرعين دون طلب لتثبيت شرعيته في مقابل ما يعطيه لهم دون غيرهم.

 

ومن بعده يظهر اللون الأخضر، ليس اخضرار الزرع بل خضار العفن، وهم علمانيو مصر. إن علمانيي العالم يرفضون تداخل الدين والسياسة، ومع ذلك يسمحون للأحزاب ذات المرجعية الدينية بالمشاركة في الحياة السياسية، أما علمانيو مصر والعرب عموما، فيرفضون اندماج ذوي الخلفية الإسلامية فقط دون غيرهم في العمل السياسي، بل إنهم باركوا قتلهم واعتقالهم ووصمهم بالإرهاب حتى لا تقوم لهم قائمة بعد ذلك.

 

ومما لا يدركه بعض من يحكمون بالكفر، أن العلمانيين لا يقتصرون على دعاة العلمانية فقط، فالعلمانية نهر آسن اغترف منه كل من تلقى تعليما حكوميا موجها منذ أيام حكم محمد على وحتى اليوم؛ لذلك، فإن مسألة التكفير ليست بالأمر الهين.

 

ثم يتجلى اللون الأزرق ، ويمثل الليبراليين المسلمين ، الذين أشعر أحيانا أنهم حقيقة لا يعرفون أنفسهم ، ففي نظري هم مسلمون يريدون التحرر من قيود الشرع، فيضعون أنفسهم في خانة المسلم المتحرر، فيضيعون بين علمانية الفكر وإسلامية العقيدة، ويظلون في حالة تأرجح وتذبذب لا لهذه ولا لتلك.

 

ثم يبدو اللون البنفسجي، وهم طبقة المتعلمين، الذين درسوا في مدارس حكومية نظامية عملت على غسيل الأدمغة منذ أول تحية علم وحتى دمج الوطنية في جسد الرئيس العسكري، ليصبح هو حامي الحمى والمخلص والمنقذ الذي لولاه لسقطت مصر وسقط الدين.

 

وفي النهاية يظهر اللون النيلي الباهت، وهمة عامة الشعب من البسطاء الذين عمل إعلام النظام على محو ثقافتهم الإسلامية ومسخ مفاهيمهم ومبادئهم، بحيث صاروا يستمدون فتواهم من مسلسل أو فيلم، فيصبح من يقدم لهم نموذجا إسلاميا مختلفا عما تشربوه عبر الشاشات هو مغال متشدد إرهابي.

 

كل طيف من الأطياف السابقة يمتد من أقصاه إلى أقصاه، درجات بين المشكوك في دينهم حد الكفر، إلى من هم مسلمون موحدون يقترفون المعاصي؛ فلينتبه دعاة التكفير، وليتذكروا حديثي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، (لا يرمي رجل رجلا بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك), و(من قال لأخيه يا كافر باء بها أحدهما)؛ فلا تستهينوا بقذف الناس بالكفر؛ واعلموا أن الأمر صار أكبر من الجدل حول كفر هذا أو ذاك؛ إن أهم فتوى هي الخاصة برأس النظام لأن فعله هو ما يوجب عدم الولاء له، أما حاشيته فستغرق معه بالتبعية، وأما أنصاره فهم سيركنون لغيره وشعارهم يبقى كما اعتادوا (عاش الملك، مات الملك).

 

لا تغتر بصلاح دينك، واحمد الله على تنشئة إسلامية لم يحظ بها كثير من الخلق. ولا تعلو بهدى من الله عليك به بعد ضلال، فالقلوب بين أصبعي الله تعالى يقلبها متى شاء، فقد يمسي الله من اتهمت مسلما ويصبحك أنت كافرا. إن الله يأمركم إذا حكمتم أن تحكموا بالعدل، وألا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا، فاعدلوا هو أقرب للتقوى.