يفترض العديد من المراقبين غير المطلعين على تاريخ الجزائر أن البلاد، التي شهدت احتجاجات محدودة في “الربيع العربي” بالمقارنة مع جيرانها، كانت ببساطة أبطأ للوصول إلى نقطة الغليان، ولكن هذا من شأنه أن يكون قراءة خاطئة لتاريخ البلاد، وفقاً لما استنتجه الكاتب أندرو فاران في مقال نشره موقع “المجلس الأطلسي” في واشنطن.

وقال فاران، الذي عاش في الجزائر بين 2013 و2020، حيث ترأس عدة برامج للتطوير الشبابي، وترجم كتاب “داخل معركة الجزائر” لزهرة ظريف، وهي من وجوه الثورة التحريرية، إن الجزائر اتبعت منذ فترة طويلة وتيرة مختلفة، ويبدو أنها على وشك أن تُعد اليوم صفحة جديدة.

وأوضح الكاتب، مؤلف كتاب” الحلم الجزائري”، أنّ بعض الديناميكيات، التي شهدتها الجزائر في فبراير 2019 كانت مألوفة لدى العديد من مراقبي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ شعر الجزائريون بالإحباط بسبب رأسمالية المحسوبية الوقحة بشكل متزايد، وتراجع الخدمات العامة وانتشار البطالة والنخبة السياسية الخارجة عن نطاق الاتصال.

وأضاف فاران أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة كان يُجسد قدامى المحاربين في حرب التحرير الجزائرية ضد فرنسا، الذي حكموا البلاد لأكثر من خمسة عقود، ولكن بعد إصابته بجلطة دماغية عام 2013، تراجع بوتفليقة في أعين الجمهور إلى حد كبير، كما ثارت شكوك في ذلك الحين حول من يدير البلاد.

وخلال حكم بوتفليقة، والحديث للكاتب، جمعت الجزائر تريليون دولار من صادراتها الأولية من النفط والغاز، وكان رجال السلطة يستخدمون هذه الثروة لتغذية حساباتهم المصرفية  في سويسرا، وتغطية الحاجات الأساسية  للمواطنين، وتم رفض دعوات لتنويع الاقتصاد.

وبحسب ما ورد في مقال “مجلس الأطلسي”، الذي يعد مؤسسة بحثية غير حزبية مؤثرة في الشؤون الدولية، مقرها في واشنطن، فقد راهن أصحاب الحكم في البلاد على أن الجزائريين لا يزالون في مرحلة الصدمة من “العقد الأسود” من الإرهاب، والذي أودى بحياة 200 ألف شخص في التسعينيات، وأنه لم يكن لديهم رغبة في الثورة. ولكن، كما لاحظ الكاتب، قد يكون هذا الأمر صحيحاً في عام 2011، غير أن الأمور اختلفت بحلول 2019، حيث بلغ جيل جديد سن الرشد، وأصبح أكثر ارتباطاً بالعالم الخارجي، مع صدمة أقل من العقد الأسود وطموحات جديدة.

وكان رد فعل الشباب الجزائري، إلى جانب العديد من الشيوخ، غاضبا إزاء الإعلان عن أن بوتفليقة سيسعى لإعادة انتخابه على الرغم من ضعف صحته وسوء الإدارة المتصاعد في البلاد، وبعد أيام من هذا الإعلان، في 22 فبراير/ شباط 2019، نزل الجزائريون إلى الشوارع في احتجاجات حاشدة لم تشهدها البلاد منذ جيل، وسرعان ما ظهر إيقاع أسبوعي منتظم للتظاهرات.

وأشار المقال إلى أن استقالة بوتفليقة في أبريل/ نيسان لم تكن كافية لوقف المد، لأن الثوار أرادوا استبدال النظام، وليس فقط رئيسه، واتحدوا جميعاً تحت شعار “أخرجوهم جميعاً”.

ويضيف فاران أن السلطات المدنية لجأت إلى الجيش القوي، الذي حاول خنق الحراك من خلال مزيج من الاسترضاء والترهيب، حيث تم القيام بحملة غير مسبوقة ضد الفساد على نطاق واسع شملت العديد من المسؤولين السابقين، كما سعى الجيش إلى تقسيم الحراك. وعلى سبيل المثال، كان يتم سجن بعض المتظاهرين بتهمة “تقويض الوحدة الوطنية” إذا شوهدوا وهم يحملون علماً بربرياً، وفي نظر الكثير من الناس، كان هناك إدراك بأن بعض الاعتقالات كانت نتيجة لتصفية حسابات سياسية من خلال اتهامات الفساد.

وحدد قادة الجيش موعداً للانتخابات الرئاسية في ديسمبر/ كانون الأول 2019، ولم يكن هناك أي خيار حقيقي للشعب لاختيار مرشح يُعبر عن مطالبهم. وفي النهاية، خرج الوزير السابق عبد المجيد تبون منتصراً ليعلن عن طي صفحة بإعلان فجر “الجزائر الجديدة”، ولكن الشعب لم يكن على اقتناع بكل العملية.

ولم يكن بوسع الحكومة أو الحراك توقع وصول وباء فيروس كورونا في الربيع الماضي، واستمرت المظاهرات حتى تمت الدعوة إلى التوقف بسبب الجائحة.

وأشار الكاتب إلى أنّ الحكومة، في محاولة لتعزيز شرعيتها، قامت باستفتاء لصياغة دستور جديد، ولكن وثيقة التغيير المزعومة فشلت في تحقيق مطالب المحتجين بنقل السلطة الرئاسية وضمان استقلال القضاء وتعزيز الحماية على حرية التعبير وحرية الصحافة، ولم تتجاوز نسبة المشاركة في الاستفتاء نسبة 23 في المئة بعد حملة مقاطعة، في توبيخ واضح للحكومة، ولم تكن النتائج محرجة فقط للحكومة، كما يضيف الكاتب، بل سلطت الضوء، أيضاً، على أكبر نقاط ضعف الحراك، وهي الافتقار إلى القيادة.

ولم يكن تبون في الجزائر ليشهد انتصاره الضيق، حيث سافر إلى ألمانيا لأسباب صحية غير محددة، مما أثار تكهنات متفشية، وشاهد الجزائريون مشهداً يثير القلق مرة أخرى: رئيس مريض يجلس في مستشفى أوروبي ولا يستطيع قيادة البلاد مع تصاعد التحديات.

وبعد ذلك، أكدت الرئاسة أنّ تبون مصاب بفيروس كورونا، مما عمق المخاوف من أزمة قيادية أخرى، ولم يسمع أبناء البلاد سوى القليل من الأخبار عن الرئيس، وزادت المشاكل الاقتصادية والصحية في البلاد، كما سلط غياب تيبون الضوء على الهشاشة العميقة للنظام المركزي للدولة.

ولاحظ فاران أن الفراغ الرئاسي انكشف بشكل حاد مع أخبار التطبيع بين المغرب وكيان الاحتلال الإسرائيلي، واعتراف الولايات المتحدة بسلطة المغرب على الصحراء الغربية، وسادت مشاعر غير مريحة بين الجزائريين بسبب عجز قيادة البلاد عن تشكيل الأحداث حتى في الجوار، خاصة أنه لا يوجد بلد في المنطقة يدعم القضية الفلسطينية مثل الجزائر كما استضافت البلاد الكثير من اللاجئين الصحراويين.

وتزايدت الإهانات مع تفشي وباء كورونا، وفشل البلاد في تنظيم تدابير مضادة للفيروس، بما في ذلك التطعيم، وبلغت الأزمة الاقتصادية مستويات محرجة تصل إلى حد اللجوء إلى المؤسسات الدولية، وهي خطوة كانت خطاً سياسياً أحمر.

وعلى أية حال، أشار أنصار الحراك إلى أنّ نشاطهم توقف طوعاً وأنه يمكن إعادة تشغيله في أي وقت، وبعد عامين من الثورة، تقترب البلاد من هذا الاحتمال، حيث تزداد الدعوات يوماً بعد يوم للعودة إلى الاحتجاج.