- بوتفليقة.. والعهدة الخامسة!! - فبراير 17, 2019
حين كانت أيد الثوار على الزناد، في حرب ضروس مع فرنسا، كان، عبد القادر المالي، يقضي كثير من لياليه في مراقص الدار البيضاء وبرشلونة.
ثم، تزحف دبابات جيش الحدود على العاصمة بعد أن غادرها عسكر فرنسا اضطرارا وعلى حين عجلة.. تستولي جماعة وجدة على الحكم قسرا…
يصبح وزيرا للشباب في 63، قبل أن يُغتال وزير الخارجية محمد خميستي، الذي قيل أن مجنونا اختاره هو بالذات ليقتله…
ثم انتحر في السجن بعد بضعة أيام!!!
بسرعة أصبح “سي” عبد القادر خليفة خميستي المغتال…
ذات يوم من شهر مايو 65 صفعه بن بلة على وجهه وطرده من الوزارة: ” كان “يلهو” في الفندق.. بينما وفد أجنبي ينتظر ملاقاته…”
صفعة كف عجلت برحيل بن بلة.. الذي استقدمه بومدين لحين يرتب شؤونه.
أصبح عضوا “بمجلس قيادة الثورة” ووزير الخارجية مرة أخرى…
سيقضي أطول لياليه متجولا بين فنادق فخمة في باريس وفيينا وجنيف وروما.
ثم سيقال للجزائريين “إنه أعظم وأصغر وزير خارجية في العالم…”
يقول عنه أحد الرؤساء الفرنسيين في مذكراته، إنه كان يأتي أحيانا متنكرا لباريس، “يؤجر جناح فاخر بأفخم الفنادق الباريسية.. تتعاقب وجوه جميلة على ذاك الجناح ويسهر الجميع إلى ما بعد الفجر.. أسبوع أو عشرة أيام ثم يغادر، متنكرا أيضا…”
حينما كان يحمل جثمان بومدين قادما من موسكو، طاف بالطائرة في الأجواء الفرنسية و أبرق برسالة إلى الرئيس الفرنسي يلمح فيها إلى أنه سيصبح هو “الخليفة” عن قريب…
فبومدين، في الواقع، قد رحل وهو في عاصمة ستالين.
لكن الرائد قاصدي مرباح، رأس المخابرات يومها، أقنع زملاءه العقداء أنه لا يصلح، “فهو سارق أموال الطلبة ومختلس أموال السفارات.. وزير نساء.. ولاهث وراء الملذات.. تعلم كل مخابرات العالم عبثه و لهوه”.
يختار العسكر أقدم عقيد في أعلى رتبة…
يتهم القضاء بوتفليقة بالسرقة.. يفر إلى ما وراء البحر..
يقضي أيامه بين أبوظبي ودبي وجنيف، مرورا ب”العتبات والمراقد” في دمشق…يتمسح بقبور “آل البيت”.
في فبراير 94 يقترح عليه كابرانات فرنسا، أن يتولى المنصب الذي طرده منه ضباط جيش الحدود.
يقبل.
ثم يتراجع.
”فالجيا، الجماعة الإسلامية المسلحة، قبل أن تُخترق”، كانت على أبواب قصر الرئاسة.
وكان كبار القوم يهيئون أنفسهم نحو مطار بوفاريك حيث طائرات متحفزة، بشكل دائم، في الانتظار.
يعود، كالعادة، سائحا بين أبوظبي و جنيف و باريس.
يكتمل اختراق “الجيا” تماما و تصبح “تفضل” قتل عموم الشعب.
ينزل المسلحون.
“ينتصر” الكابرانات.
يعاودون به الاتصال في 1998، بواسطة “الكاردينال” العربي بلخير.
يقبل هذه المرة ويستعجل الفوز.
ينسحب منافسيه الستة.
فقد تيقنوا أن الجنرالات قد اختاروا صاحبهم.
يعتلي العرش الذي حُرم منه قبل عشرين عام.
يصبح داعية “للسلام والوئام…” و يحدث الشعب في خطابات، تكاد لا تنتهي، عن أشياء كثيرة…
بما فيها ساحات الاقتتال في عهد الرومان…
وعن 15 لصا ينهبون البلاد…
وعما ينتظرهم من خير وخيرات بلا حساب…
ويزعم، بعد حين، أنه قد “صالح” الشعب على نفسه…
ليقضي أعوامه الخمسة الأولى، متنقلا بين عواصم العالم…”ليعيد للجزائر صورتها التي دمرها الإرهاب”.
في الداخل يبيع أوهام السلم والمصالحة بأموال البترول الذي راح يصعد بلا توقف.
يهاجمه قائد الأركان، المقبور محمد العماري، على التلفزيون الرسمي في يوليه 2002م.
يلتقط رئيس وزراءه أحمد بن فليس الخيط.. ويحلم بالرئاسة.
يتحالف بوتفليقة سرا مع الجنرال التوفيق.
يسقط بن فليس في انتخابات مرتبة، كما جرت العادة، ويتبعه العماري…في صيف 2004م.
يباغته مرض آخر في 2005.. وهو الذي أتعبه مرض الكلى المزمن من قبل.
سرطان معدة هذه المرة.. يقضي أياما طوال في مستشفي تابع لعسكر فرنسا.
يقال للشعب أنه فقط مغص.. آلام وانتهت.
يجوب مدن البلاد طولا وعرضا وينجو، في عاصمة الشاوية، من محاولة اغتيال في 2007م.
يُغير الدستور، في نوفمبر 2008، ليصبح رئيسا بلا حدود للعهدات…
رئيسا مدى الحياة…
في يناير 2010 تنشر صحافة “الماجور” توفيق فضائح شكيب خليل في سونطراك…
تبدأ الخصومة بينه وبين رأس المخابرات…
يُقتل، في مكتبه، العقيد علي تونسي رأس البوليس، وصديق الجنرال توفيق، في فبراير 2010 وهو الذي رفض الاستقالة في شهر يوليه الذي سبق.. قال أن المجاهدين لا يستقيلون أبدا.
لكنهم أقالوه إلى الأبد برصاص عقيد من مقربيه.
تكبر الخصومة بين عبد العزيز والجنرال الشبح.
ومعها تكبر فضائح سونطراك وتتوالي.
يضطر، تحت ضغط الفضائح التي تملأ الأفق، لإسقاط صديقيه شكيب خليل ونور الدين زرهوني.
ويبدو وكأن صاحب “الفخامة” قد خسر المعركة…
يضغط توفيق أكثر…
يسرب ملفات فساد، أكبر وأخطر، لصحافته…
تنشر الوطن والخبر وأخواتهما.. ملفات ثقيلة.. يبدو الرئيس وشقيقه كالصين كبيرين.. ليس أكثر.
نهبوا كل شيء… باعوا، في الغالب مقابل ملايين معدودة من الدولارات، البلد للأمريكيين، للخليجيين، للفرنسيين، لكل من طلب…
المهم أن يظل زعيما “لبلد المليون ونصف المليون”… شهيد.
تتراكم الفضائح… يصمت ويصمد إلى حين…
ثم يصاب بصدمة دماغية في أبريل 2013…
يُهرع به على عجل، مرة أخرى، لمستشفى عسكر فرنسا…فال دو غراس
يقضي 88 يوما وهو أقرب إلى الموت… أعاد الفرنسيون تشغيل بعض أعضاء جسده…
لكن الجسد قد ضعف أكثر، فقد نخرته الدسائس كما نخرته الأمراض…
في هذا الوقت، فإن السعيد، الشقيق الأصغر وعين السلطان، أصبح هو السلطان غير المتوج…
سيبرم “اتفاقا” مع أجهزة فرنسا بمقتضاه يخرج هولاند في 31 مايو 2013، في لقاء صحفي، يهدد، “بعبارات مهذبة”، الفريق التوفيق، الذي كان قد جمع عددا من الأحزاب والشخصيات التي طالبت برحيل الرجل المريض…
أياما بعد ذلك، يظهر قايد صالح في باريس ضاحكا مسرورا…
وهو يستمع لهمس خافت من “الرئيس”… ببدلة النوم ومن وراءهم صورة رئيس فرنسا…
إمعانا في الإذلال، أصرّ الفرنسيون على وضع صورة رئيسهم في غرفة الرئيس المريض… بعبارة أخرى الجزائر كلها تحت أعين سادة الفرنسيين…
قبل ذلك كان قد أصدر، الثمانيني، قايد صالح باسم الجيش، الذي وجد نفسه على رأسه، بأنه مع شرعية بوتفليقة… مهددا كل أولئك “الذين يريدون للجيش أن يتدخل في السياسة…”
عاد بوتفليقة على كرسي متحرك وفيه بقية حياة في منتصف الصيف…
بدأ تساقط كبار ضباط المخابرات، كما يتساقط ذباب بفعل مبيد حشرات قاتل.
بدأ بالعقيد عقبى، الذي كان يشرف على وسائل الإعلام “الحرة جدا والمستقلة تماما”…
وبالمناسبة كان يغذيها بفضائح الرئيس وأشقاءه وأتباعه…
ثم يُسقط جنرالات آخرون بما فيهم أقرب المقربين من الماجور توفيق…
لم يكتف بذلك راح يسلخ الاختصاصات من توفيق واحدة تلو الأخرى…
حتى تركه كدجاجة مبللة في يوم شتاء عاصف… كان ذاك كله يتم تحت إشراف عيون غربية…
بعدها مباشرة، بدأ الطبال السابق سعداني في الهجوم على توفيق، الذي”لم يستطيع حماية الرئيس بوضياف” وكان “يتصنت على الجميع، يخترق الأحزاب ويخضع الإعلام…”
كان هجوما مدويا…ضج جمع كبير بما سمع، كيف يجرا هذا الطبال الراقص، فيما مضى، على الجنرال صانع الساسة والسياسة…
تبعه إلقاء القبض على أقرب المقربين وصهر التوفيق، “الجنرال حسان”…
التهمة؟
“كان يصنع جماعات مزيفة ويتاجر في السلاح”…
الجنرال حسان كان هو الذي قتل الخاطفين والمخطوفين في توغنتورين…في يناير 2013.
كان يظن أن قتل الرجل الأبيض كقتل آلاف الجزائريين…
فقد تعود أن يذبح قرى بمن فيها…ثم يقال له أنت البطل…
تتوالى هجومات سعداني…يسكت الماجور حتى يقرر السعيد، في سبتمبر 2015، أن أمره قد انتهى.
انتصر سعداني أو قل أدى مهمته…
وسقط، أمين عام الجبهة، بعدها بأشهر كمنديل ورق…
في هذه الأيام تمتلئ صحافة البقارة بأخبار الإرهاب و”داعش التي تزحف من كل مكان…”
تخويف يتلوه تخويف…ورعب يفبرك باستمرار…
حتى يمكن رفع الأسعار وتخفيض الدعم و نهب المال …
أو ما تبقى في خزائن كان تسيل ذهبا ودولارات… وتُسيل اللعاب…
ويح من يعترض، ينتفض، يتكلم…
فداعش تدق الأبواب…
على قرع طبول الخوف والرعب…
ونقص المال والثمرات…
تتصارع أجنحة نظام يتهاوى…
ومع، صراعاتهم تهوي بلاد تئن تحت ركام الرداءة والبؤس والفساد…
وتدخل الجزائر عام 2017 برئيس شبه ميت…
أصبح حمله فنجان قهوة، من بلاستيك على الأرجح، نصر عظيم…
شخص استهواه الحكم والدجل وفيه يجتمع المكر والجبن والدهاء…
وقد عزم أن تنتهي الجزائر بنهايته التي أصبحت أقرب من أي وقت مضى…
تدخل الجزائر عام جديد على وقع الغضب والقلق والقلاقل…
فقر يتمدد… قهر يتجدد… وجماعات نهب تتعدد…
لا تفهم ولا تشبع حتى تُطحن طحنا ومعها يُطحن الآلاف مرة أخرى…
في يوم قد اقترب…
في هذا الوقت يعيش صاحب الفخامة…
أيامه الأخيرة وهو مقتنع تماما أن الجزائر من قبله لم تكن شيئا مذكورا…
و بدونه أنّ لها أن تكون…