نحن لا ننتقد الواقع حتى ننتفض عليه بقدر ماننشد التغيير والصلاح
وأنا أبحث عن أبلغ كلمة تعبر عن واقع التردي الذي بلغه الخطاب الإسلامي ودعاته في وطني لم أجد غير شكسبير الحاضر حين قلدناه منصب الدين وأصبح خطابه مسيسا ناهيك عن أسس الإختيار والمعايير التي يتم من خلالها انتقاء أمثال شكسبير وإخوته ، ربما كان شكسبير القطرة التي أفاضت الكأس ولانستطيع أن نجعل منه متهما أو ضحية بقدر ماهو يؤدي مايمليه نص المسرحية.
وبقدر مايعيث هذا التيار فسادا في أرضنا هذا لايلغي وجود أشخاص دعاة مؤهلين وذوي كفاءات وشهادات علم ودين أقصتهم المسابقات ،أمام ارتفاع مد الرشوة والمحسوبية والتواطئ.
فماذا نتوقع بعد أن يستبدل أستاذ الشريعة بأستاذ الفلسفة ليدرس بدله مادة العلوم الإسلامية مع احترامنا لكل من المتخصصين ودور الأستاذ فهو من يبني الأجيال ،و لكل إختصاص أهله ، لكن الأزمة المستفحلة هي حين يوجّه الشخص الذي لم يحصل على أي نجاح في مسيرته الحياتية إلى معهد لتعليم علوم الدين وأصوله دون رغبة منه أو قصرا ، ويقبل دون أي شروط ودون إطلاع على خلفياته الفكرية وبعد مدة يصبح مؤهلا ويعين وصيّا ،ويشغل المناصب المرموقة فيملي ويأمر وينهى وإن كانت أفعاله تناقض أخلاقه وحبه للظهور ،فالثابت في الأوراق أنه داعية يصبح مبرمجا لما يقوله ويستعمل نفوذه وسلطته ليتقوقع أكثر في شكله الجديد أو كما يسميه ميشال كروزيه المزيد من التوسع في البيروقراطية وفرض الضغط ويلغي بذلك جهود العارفين ويقمع العاملين.
ثم أين يذهب خريجوا الجامعات من كليات الشريعة وأصول الفقه وعلوم الدين ؟
الذين أفنوا سنين عمرهم في العلم والتعلم ثم تكون لهم النسب الضئيلة من فرص العمل وإن كانت لاتتعدى التعليم على مستويات المتوسطات والثانويات ،مع أني أعرف الكثير من ذوي الخبرات والمؤهلات الذين درسوا رغبة وتفانيا ثم لم ينصفهم الواقع المعاش ،وبعضهم شغل مراكز الدين ثم تمّ إلغاء منصبه واستبداله بآخر لأنه قال كلمة حق ،أو غيرمسار النصّ أو لم يستجب لما خطّ في الورقة.
ثم أين أخلاق الداعية خطيبا كان أو معلما أو إماما ؟
ونحن نلقي فشل المخططات وتردي الأوضاع أن الشباب غير صالح ولاينفع لا للعلم ولا للعمل وقرارتنا ليس نابعة من ذواتنا ،شبابنا اليوم يتقلب تقلب السياسات والأحوال الجوية ، لايجد من يصدقه أو يثق فيه وهو يرى أن الفساد سمة القادرين والمقتدرين ،ماذا يفعل الشباب إذا رأى أن النفاق سمة من يرتدون عباءة الدين ، ويلجؤون لعديد الطرق الغير المشروعة فقط ليزدادوا مالا أو رفعة فلا يقفون وقفة حق ولاينصرون مظلوما بل و نقلا عن أحد المحدثين :الزورمثل الكذب في دواوانيهم ، افتعال الفتن وعدم اصلاح ذات البين أصبح مألفوا لدى هاته الفئة التي غدا الدين عندها شعارا والله تعالى يقول:” إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ” ناهيك عن الفتوى بغير علم ويقين واستعمال القرءان كوسيلة ربح في المحافل ،وقراءته دون وعي أو حفظ مسبق متناسين حديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار”
،إنها أزمة الأخلاق وزعزعة المنظومة القيمية لدى المكلفين حين نضع الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب ونهمش ذوي الكفاءة والعلم ، لا عجب أن نرى الشباب اليوم يفضل أن ينصحه صديقه مهما كانت علاقته بالدين بدل أن يقصد رجل دين وإذا سألته بعاميتنا البحتة يجيب “دعك من أخينا،ماتشيخش بينا لاعبها دين ”
أخينا أو شيخنا المسؤول حين ترك دور الداعية وتقمص دور الداهية فاحترفه فأصبح شكسبيرا بلا منازع يجيد فنه يستعمل الخبث والحيلة حتى يستحوذ على عقل الآخر ويقنعك أن غايته لا تبرر وسيلته حلال عليهم حرام على الرعية ، الإيمان السطحي أو التدين الشكلي الذي لايغادر الرداء والمكان هذه السيكومونوجية الظاهرة كما يصفها العالم البلجيكي بول بوتس باتت واضحة لكل مؤمن يقظ وفذ، ودائما” للرداءة أهلها”
فمهلا أخي شكسبير إنما تغريك الحياة وملذاتها غير أنك تلقي بنفسك للتهلكة وأنت تظهر النزاهة للخلق والسماحة وفعلك للغير والذات مسيء وكما يقول الشاعر المسلم التابعي ” بن سفيان الدؤلي” لا تنه عن خلق وتأتي مثله،عار عليك إذا فعلت عظيم.”
مع وجود أمثال شكسبير إلا أن هذا لا يلغي وجود تيار معاكس يخشى الله في السر والعلن ويعمل على إصلاح نفسه وغيره عارفين بأصول الدعوة وحق الرعية وأنهم مكلفون ومسؤولون ومحاسبون ومسائلون يوم القيامة عاملين بقوله تعالى : وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .