الانتخابات الرئاسية.. هذا المقال تحليلي.. يعبّر عن رؤية الكاتب لا عن رأيه ..

 

ماذا لو أنّ القرارَ قد اتُّخِذ بأن لا يتوقف قطار الانتخابات، وأن تكون انتخابات 4 جويلية في موعدها؟

 

إذن، سينقسم الشعب بعد مدة بين: منتخِبين ومقاطعين.. وهو ما سيعيدنا لخريطة شبيهة بخريطة الانتخابات طيلة عهدات بوتفليقة.. بمعنى انتخابات ماضية إلى نهايتها، رغم المقاطعة.

 

المقاطعة هنا حقّ.. ولا يستطيع أحد إلزام شخص مقاطع بأن يذهب للانتخابات.

 

كما أن الانتخاب حق.. ولا يستطيع شخص أن يلزم مشاركا في الانتخابات، بأن يقاطعها.

 

هنا، يجب التدقيق في أنّ الجبهة التي ستقاطع انتخابات 2019، هي ذاتها التي كانت تقاطعها طيلة سنوات طويلة.. هي نفسها بأشخاصها وأحزابها.. رغم أنّ مقاطعة هذه الجهات والأحزاب طيلة سنوات طويلة ، لم تمنع الانتخابات من الحدوث ، كما لم تمنع السلطة من الاستمرار.

 

وعليه، فإنّ مقاطعتها للانتخابات اليوم، كذلك، لن تمنع لا الانتخابات، ولا ما سينجر عنها من نتائج ومؤسسات.

 

ما الذي يمكن أن يفعله (المتبقي من الحراك) في حال أصرّت المؤسسة العسكرية على إجراء انتخابات؟

 

سيكون موقف الحراك من رئيس الجمهورية الذي ستفرزه الانتخابات، هو ذاته موقفه اليوم من بن صالح.. وسيخرج المقاطعون إلى الشارع للمطالبة بإقالته..

 

هنا يجب أن نقول أن حجة الحراك حينها ستكون ضعيفة..

 

فعلى أي أساس ستتم المطالبة بإقالة رئيس انتخبه جزائريون؟

 

سيقول البعض إن الحراك سيستند إلى أن الانتخابات لن تكون نزيهة.

 

فماذا لو أن الانتخابات كانت نزيهة، بشهادة الجميع؟

 

ما المستند حينها للمطالبة بإقالة رئيس منتخب؟

 

وماذا سيفعل الحراك لو أنّ المؤسسة العسكرية أصرّت حينها على حماية قرار الناخبين.. كما تصرّ اليوم على استمرار بن صالح رغم مطالبة البعض بإقالته؟

 

وهل من السهل أن تقوم المؤسسة العسكرية بإقالة رئيس جمهورية منتخب بعد هذا؟

 

لذلك فالذين يظنون أن المؤسسة العسكرية قد تقوم يوما ما بخلع رئيس الجمهورية القادم، بناء على طلب ( الحراك) واهمون.. وهم يدفعونها إلى ( اقتراف الممنوع).. وهو ما لن يحدث أبدا.

 

لذلك، على ما بقي من الحراك أن يحسم من اليوم الكثير من أموره.. من ذلكَ مراهنته على أنّ الانتخابات لن تكون.. وأنّ الاستمرار في الحراك سيسقط الرئيس القادم.

 

ولأن الظاهر أنّ الانتخابات ستكون.. وأنّ الحراك يسير نحو نهايته خلال أسابيع.. لأنه سيتحول إلى حركة (جزئية) لا تمثل كل الشعب.. وهنا سيتحول الحراك من حراك ضدّ السلطة إلى حراك ضدّ المواطنين الذين سيختارون المضي في مشروع الانتخابات..وقد يكون هؤلاء بالملايين.

 

فهل سيقوم المؤمنون باستمرار الحراك، بمنع المؤمنين بالانتخابات، من حقهم في ما اختاروه لأنفسهم، ليتحول الصراع إلى صراع بين جزءين من الشعب؟

 

ذلك ما سيعتبر (غلطة الشاطر) بالنسبة للحراك.

 

برأيي أنّ الانتخابات ستضع جميع فئات الشعب أمام الأمر الواقع.. وبعد أيام سيدرك الجميع أنّ القطار ماض، وسيسارع البعض إلى محاولة الترشح أو تقديم لإنقاذ الموقف في آخر لحظة، لئلا يفوتهم القطار.

 

هناك تعتيم كبير على الأسماء التي ترشحت إلى اليوم والتي يقترب عددها من خمسين (50) مترشحا.. وسيكون الكشف عن الأسماء صدمة لكثيرين، حين يكتشفون أنّ جهات كانوا يظنونها مقاطعة قد خذلتهم و قدّمت مرشحا منها.

 

إذ المؤكّد اليوم أن هناك شخصياتٍ معروفة ستخوض الانتخابات، منها الجنرال لغديري، وبلعيد، وغيرهما.

 

بينما هناك فئة كبيرة تذهب باتجاه ترشيح الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، دون أن تتقدّم خطوة واحدة، رغم أنه لم يبق من المدة المتاحة لجمع التوقيعات غير عشرة أيام.. وهو ما يجعل مشروعها الانتخابي مجرد منشورات فايسبوكية، لا علاقة لها بالميدان.

 

وإذا تأكد المضيّ في الانتخابات، فإن تيارا واسعا سيكون خارج اللعبة.. بينما تحتدم المعركة بين لغديري وبلعيد ومرشّح جبهة التحرير.

 

وإذا أقدمت مؤسسة الجيش عبر رئيس الدولة على الإعلان عن هيئة لمراقبة للانتخابات، تتعهد بأن تكون العملية نزيهة وشفافة.. فإن قوى كثيرة ستأكلها الحسرات بعد ذلك، لأنها تمسكت بالمقاطعة.

 

وإذا حدث وأن ثبت للجميع أن الانتخابات كانت نزيهة.. فإن السؤال الذي يصبح من الواجب على هذه الأحزاب والكيانات أن تجيب عليه ، ولو بينها وبين نفسها، هو:

 

ما الذي دفعنا إلى المقاطعة ما دامت الانتخابات نزيهة؟

 

ولعل القاعدة التي ستحكم الانتخابات هذه المرة، ولأول مرة، هي: (المبادرة والاقتحام).. لأن الحزب الذي ستكون الرئاسة من نصيبه، ربما لن يكون الأكبر ولا الأقوى، لكنه سيكون صاحب المبادرة في التقدم للانتخابات، حين تراجع غيره.

 

وفي الأخير، لا بد من توضيح شيء مهم، سيعد شرطا، في الذي سيحوز على الأقل ثقة الجيش وأصواته في الانتخابات.. وهو الصرامة تجاه الدولة العميقة.. إذ لا أظنّ أنّ الأمور مهيأة بعد كل التطهير، لمجيء رئيس لا مشكلة له مع الدولة العميقة، أو هواه فرنسي، أو حتى ضعيف.. لأن الرئيس الضعيف سيكون نافذة تعود منها الدولة العميقة للعودة إلى دواليب الحكم.. وآنذاك كأن شيئا لم يكن.. وذلك ليس مسموحا به.

 

هذه نقطة، وجب الانتباه إليها.. فالمرحلة تقتضي رئيسا يحدث القطيعة مع الدولة العميقة، ويمنع عودتها، كما يحدث القطيعة مع البوتفليقية.

 

في الأخير.. يجب أن يفهم التيار النوفمبري أنّ الجيش لا يمكن أن ينوب عنه في هذه أيضا ليختار له مرشحا.. كما ناب عنه في القيام بكثير من الخطوات ، منها القضاء على الدولة العميقة.