د. محمد علي المصري

عندما كنت في الصف الثالث الابتدائي طلب منا أستاذ اللغة العربية الأستاذ مصطفى أن نكتب موضوعا إنشائيا عن حرب أكتوبر والرئيس محمد أنور السادات، ويبدو أن ذلك كان نوعا من التماهي مع حركة التطبيل الواسعة للسادات في تلك الفترة – عام 1980م وأوائل 1981م، حيث وصل السادات إلى ذروة النرجسية في هذه الفترة، والتي أعمته عما يحيط به، وأشعرته أنه لا غالب له، وأنه من القادرين (عليها) .. المهم كتبتُ موضوع الإنشاء، وحاولتُ الإبداع فيه، وطبلت بالطبع …!! يعني طلعت أهو مطبلاتي قديم ..

 

وعندما قرأتْ أمي حفظها الله وشفاها الموضوع تعجبت جدا، وسألتني: هل نقلت من أحد من جورنال؟ هل سمعته في نشرة؟!! هل.. هل … المهم وأنا أنفي لها كل ذلك، وأنه من (خلاصة) تطبيلي أنا!! فأعجبت به بشكل غير عادي، وعندما زارنا خالي (سيد محمد الشريف) رحمه الله بعد ذلك بسويعات قليلة أرادت أن تفاخر بابنها – العبد لله – فطلبت مني أن أقرأ الموضوع على خالي .. الذي كان معروفا بقدر جيد من الثقافة والاطلاع ..

 

عندما قرأتُ الموضوع وجدتُ منه استحسانا، بالطبع لم يكن كاستحسان أمي حفظها الله ورعاها، لكنه وجَّه لي انتقادا لاذعًا: كيف لم تذكر معركة السلام ضمن بطولات الرئيس المؤمن محمد أنور السادات؟!! فالرئيس المؤمن كبير العائلة المصرية هو بطل الحرب، وبطل السلام .. فنظرتُ إلى خالي باستغراب شديد، وقلتُ له: وهل السلام بطولة؟!

 

نعم .. كانت هذه عقلية الطفل الذي لم يرَ إلا في (النصر العسكري) بطولة، وأن السلام لا بطولة فيه، فردَّ عليّ خالي رحمه الله تعالى، وحاول إقناعي ببطولة (السلام)، فأخذتُ أجادله وأرد عليه، وكلما ذكر لي بعض شروط المعاهدة – المعلنة طبعا في ذلك الوقت – تأكد لي أنها نكسة جديدة، وهزيمة أخرى، بالرغم من أن المعلن أخف مما لم يعلن … صحيح أن المعاهدة أو السلام قد يكون فعلا نصرا في حالة الحصول من العدو على ما لم نحصل عليه حربا، لا أن نفرط في النصر العسكري بمهرجان إعلامي أجوف، أضاع دماء من صدق وحارب لتكون كلمة الله هي العليا، فأبى السادات إلا أن يجعل من هذه التضحيات والدماء (حركة) على رقعة شطرنج، يعتقد أنه يحصل فيها على مغنم، وفي الحقيقة هو يكشف نفسه ويعريها، مقابل أن يصفق له من يجلس على الكراسي حوله ليشعروه بالزعامة، وهو يبطنون السخرية منه!! إن الفطرة السليمة تأبى أن تُسَلِّم بتغيير الحقائق، حتى وإن كانت المرحلة أشبه بمرحلة – الترديد (البغبغان) – لكن يحصل أحيانا العودة إلى الفطرة، ورفض (البغبغة) الجوفاء، فهنيئا لما حافظ على فطرته، وهنيئا لم استدرك ترميمها إن تصدع جزء منها!