العزيز والحاكم

تولى العرش الفاطمي في مصر بعد المعز ابنه (نزار) وكنيته أبو منصور، ولقبه (العزيز بالله)، ودامت ولايته إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر وعشرة أيام، حيث توفي سنة 386هـ (996م)، وكان عمره اثنين وأربعين سنة.

 

وخلال حكم العزيز قام بتعيين رجل يهودى اسمه (ميشا) وزيرا، وآخر نصراني اسمه (عيسى بن نسطورس) وزيرا أيضا، حتى أن امرأة مسلمة كانت لها مظلمة فكتبت في مقدمة طلبها له تقول: (بالذى أعز النصارى بعيسى ابن نسطورس، واليهود بميشا، وأذل المسلمين بهما، لما كشفت ظلامتى).. فقضى لها حاجتها فعلا.

 

وبعد وفاة العزيز، تولى العرش من بعده ابنه منصور، المعروف بـ(الحاكم بأمر الله) مؤسس الفرقة الضالة المضلة، المعروفة بالحاكمية، وإليه ينسب وأدى التيم من الدروز أتباع (هستكر) غلام الحاكم الذي بعثه إليهم يدعوهم إلى الكفر فأجابوه، ونشر المدعو محمد بن إسماعيل الدرزى الدعوة إلى إلوهية الحاكم بأمر الله، وتمكن بفضل قوة حجته أن يستميل عددا من الأنصار بالشام الذين أصبحوا يعرفون بـ”الدرزية”، ولازال لهم وجود حتى يومنا هذا.

 

وتجمع كل المراجع التي أشرت إليها سلفا على أن الحاكم بأمر الله كان جبارا عنيدا، وشيطانا مريدا، وأنه كثير التلون في أفعاله، وأحكامه، وأقواله.. جائرا يدعى الإلوهية كما ادعاها فرعون، وأمر الرعية إذا ذكر الخطيب على المنبر اسمه أن يقوم الناس على أقدامهم صفوفا، تعظيما لذكره واحتراما لاسمه، وفعل ذلك في سائر ممالكه حتى في الحرمين الشريفين، وأمر أهل مصر على وجه الخصوص إذا قاموا عند ذكر اسمه يخروا له سجدا، حتى أنه ليسجد بسجودهم من في الأسواق من العامة وغيرهم ممن كان لا يصلى الجمعة، فكانوا يتركون السجود لله في المساجد ويسجدون للحاكم في الشوارع!!

 

وأمر النصارى بالدخول في دين الإسلام كرها بالمخالفة للنصوص الشرعية، ثم سمح لهم بالعودة إلى دينهم، وخرب كنائسهم ثم عمرها، وبنى المدارس وجعل فيها الفقهاء ثم قتلهم وأخربها، وأمر بغلق الأسواق نهارا وفتحها ليلا، وكان يباشر الحسبة بنفسه، فكان يدور بنفسه في الأسواق على حماره (كان لا يركب إلا حمارا) ومن يجده قد غش سلعة أمر عبدا أسودا معه اسمه مسعود أن يفعل به الفاحشه العظمى (!!) وهو أمر لم يسبقه إليه أحد.

 

ويقول ابن الجوزى: أنه لما وصل إلى القاهرة، أمر العبيد أن يحرقوا مصر، وينهبوا مافيها من الأموال والمتاع والحريم، فامتثلوا لما أمرهم به، فقاتلهم أهل مصر قتالا شديدا ثلاثة أيام، والنار تعمل في الدور والحريم، وهو في كل يوم  قبحه الله  يخرج فيقف من بعيد، وينظر ويبكى، ويقول: من أمر هؤلاء العبيد بهذا ؟!، ثم اجتمع الناس في الجوامع، ورفعوا المصاحف وصاروا إلى الله عز وجل، واستغاثوا به، فرق لهم الترك والمشارقة، وانحازوا إليهم، وقاتلوا معهم عن حريمهم ودورهم، وتفاقم الحال جدا، ثم ركب الحاكم  لعنه الله  ففصل بين الفريقين، وكف العبيد عنهم، وكان يظهر التنصل مما فعله العبيد، وأنهم ارتكبوا ذلك من غير علمه وإذنه، وكان ينفذ إليهم السلاح، ويحثهم على ذلك في الباطن، وما انجلى الأمر حتى احترق من مصر نحو ثلثها، ونهب قريب من نصفها، وسبيت نساء وبنات كثيرة، وفعل معهن الفواحش والمنكرات، حتى أن منهن من قتلت نفسها خوفا من العار والفضيحة، واشترى الرجال منهم من سبى لهم من النساء والحريم، ثم ازداد ظلم الحاكم حتى عنّ له أن يدعى الربوبية، فصار قوم من الجهال إذا رأوه يقولون: ياواحد ياأحد.. يامحى يامميت، قبحهم الله جميعا (ا.هـ).

 

اجتماع بغداد:

 

وفي ربيع الآخر من عام 402هـ (1011م) اجتمع في بغداد جمع كبير من العلماء، والقضاة، والفقهاء، والمحدثين، والأشراف، وأعلنوا أن ملوك مصر من الفاطميين لا ينتمون إلى السيدة فاطمة الزهراء  رضي الله عنها  وشهدوا جميعا بأن الحاكم بمصر وهو منصور بن نزار الملقب بالحاكم، حكم الله عليه بالبوار، والخزي والدمار، ابن معد ابن إسماعيل بن عبدالله بن سعيد، لا أسعده الله، فإنه لما سار إلى بلاد المغرب تسمى عبيد الله، وتلقب بالمهدي، وأن من تقدم من سلفه أدعياء خوارج، لا نسب لهم في ولد على ابن أبى طالب، وأنه منزه عن باطلهم، وأن الذي ادعوه باطل وزور، وأنهم لا يعلمون أحدا من أهل بيوتات على بن أبى طالب، فهم خوارج كذبة، وقد كان هذا الإنكار لباطلهم شائعا في الحرمين، وفي أول أمرهم بالمغرب منتشرا انتشارا يمنع أن يدلس أمرهم على أحد، أو يذهب إلى تصديقهم فيما ادعوه، وأن هذا الحاكم بمصر هو وسلفه كفار، فساق، فجار، ملحدون، زنادقة، معطلون، وللإسلام جاحدون، ولمذهب المجوسية والثنوية معتقدون، قد عطلوا الحدود، وأباحوا الفروج، وأحلوا الخمر، وسفكوا الدماء، وسبوا الأنبياء، ولعنوا السلف، وادعوا الربوبية.

 

وقد وقع على هذا المحضر من العلويين: المرتضى، والرضى، وابن الأزرق الموسوى، وأبو طاهر بن أبى الطيب، ومحمد بن عمرو بن أبى يعلى، ومن القضاة: أبو محمد الأكفانى، وأبو القاسم الجزرى، وأبوالعباس بن الشيورى، ومن الفقهاء: أبو حامد الإسفرايينى، وأبو محمد بن الكسفلى، وأبو الحسن القدورى، وأبو عبدالله الصيمرى، وأبو عبدالله البيضاوى، وأبو على بن حكمان، ومن الشهود: أبو القاسم التنوحى.

 

ومما يدل على أن هؤلاء أدعياء كذبة، وأنهم لا نسب لهم إلى على بن أبى طالب، ولا إلى فاطمة كما يزعمون، قول ابن عمر للحسين بن على بن أبى طالب رضي ألله عنه، حين أراد الذهاب إلى العراق، وذلك حين كتب عوام أهل الكوفة بالبيعة إليه، فقال له ابن عمر: لا تذهب إليهم فإني أخاف عليك أن تقتل، وإن جدك قد خير بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة على الدنيا، وأنت بضعة منه، وأنه والله لا تنالها لا أنت ولا أحد من خلفك ولا من أهل بيتك، فهذا الكلام يعنى أنه لن يلى الخلافة أحد من أهل البيت.

 

وقد صنف القاضي الباقلانى كتابا للرد على هؤلاء وهو (كشف الأسرار وهتك الأستار) بيّن فيه فضائحهم وقبائحهم، وكان يقول عنهم أنهم قوم يظهرون الرفض، ويبطنون الكفر المحض.

 

نهاية الحاكم

 

كان الحاكم قد تعدى شره إلى كل الناس، حتى أخته، فكان يتهمها بالفاحشة، فانتوت قتله، فاتفقت مع أكبر الأمراء وكان يدعى (ابن دواس)، اتفقت معه على قتله، فجهز عبدين من عنده، وطلبا منهما انتظاره على جبل المقطم، فلما كان الحاكم بحماره هناك كما هي عادته للنظر في النجوم، استقبله العبدان وأنزلاه من على حماره، وقطعا يديه ورجليه وبقرا بطنه، وحملاه إلى مولاهما ابن دواس، الذى حمله إلى أخته، فدفنته في مجلس دارها، واستدعت الأمراء والأكابر وصارحتهم بخبر موته، ثم بايعوا ابنه أبى الحسن على، ولقب بالظاهر، وكان في دمشق، وجعلت تقول للناس أن الحاكم قال لى أنه سيغيب عنكم سبعة أيام ثم يعود، فاطمأن الناس، وعاد ابن أخيها من دمشق، فألبسته تاج جد أبيه (المعز) وبايعه الأمراء، وخلعت على ابن دواس خلعة سنية، وأقامت عزاء أخيها ثلاثة أيام، ثم أرسلت إلى ابن دواس طائفة من الجند بسيوفهم ليكونوا بين يديه وقوفا في خدمته، ثم حملوا عليه ذات يوم وقالوا له: أنت قاتل مولانا، وقتلوه، ثم قتلت كل من اطلع على سرها.

 

وكان عمر الحاكم يوم مقتله 37 سنة، ومدة ملكه 25 سنة، ودامت مدة حكم الظاهر من عام 1021م حتى عام 1036، وجاء من بعده المستنصر بالله، الذي حكم مدة ستين عاما، من عام 427هـ (1036م) حتى عام 487هـ (1094م)، وفي عهده حدثت الشدة المستنصرية، وقال الذهبي أنه لم يسمع عن أحد من الملوك والخلفاء والسلاطين قد حكم مثل هذه المدة.

 

ثم خلفه المستعلي بالله حتى عام 495هـ (1101م)، ثم الآمر بأحكام الله حتى قتل عام 525هـ (1130م)، ثم الحافظ لدين الله حتى عام 544هـ (1149م)، ثم الظافر بأمر الله حتى قتل عام 549هـ (1154م)، ثم الفائز بنصر الله حتى قتل عام 555هـ (1160م)، ثم كان آخر ملوكهم العاضد لدين الله حتى عام 567هـ (1171م)، حيث انتهت دولتهم، وبدأ العصر الأيوبي في مصر، بتولى يوسف ابن أيوب، الذي تلقب بالسلطان الناصر صلاح الدين فيما بعد.

 

مات العاضد وعمره 21 سنة، وكانت سيرته مذمومة، ويقول من أرخوا لسيرته أنه كان شيعيا خبيثا، لو أمكنه قتل كل من قدر عليه من أهل السنة.

 

وكانت وفاة العاضد يوم عاشوراء، فحضر صلاح الدين جنازته، وشهد عزاءه، ثم استحوذ على القصر بما فيه، وأخرج منه أهل العاضد إلى دار أفردها لهم، وخصص لهم دخلا يكفل لهم عيشة هنية، وكان صلاح الدين حتى ذاك الحين وزير العاضد، خلفا لعمه أسد الدين شيركوه، الذي توفي سنة 564هـ.

 

ويقول ابن كثير: كان الفاطميون أغنى الخلفاء، وأكثرهم مالا، وكانوا أجبرهم، وأظلمهم، وأنجس الملوك سيرة، وأخبثهم سريرة، ظهرت في دولتهم البدع والمنكرات، وكثر أهل الفساد، وقل عندهم الصالحون من العلماء والعباد، وكثر بأرض الشام النصرانية والدرزية والحشيشية، وتغلب الفرنج (الصليبيون) على سواحل الشام بكماله، حتى أخذوا القدس، ونابلس، وعجلون، والغور، وغزة، وعسقلان، وكرك الشوبك، وطبرية، وبانياس، وصور، وعكا، وصيدا، وبيروت، وصفد، وطرابلس، وأنطاكية، واستحوذوا على بلاد آمد، والرها، ورأس العين، وبلاد شتى غير ذلك، وقتلوا من المسلمين خلقا لا يحصيهم إلا الله، وكل هذه البلاد كان الصحابة قد فتحوها وصارت دار إسلام، وحين زالت أيامهم، وانتفض إبرامهم، أعاد الله عز وجل هذه البلاد إلى المسلمين بحوله وقوته، وجوده ورحمته (ا.هـ).

 

 

جرائم الفاطميين:

 

الثابت أن الباطنيين الروافض الشيعة ارتكبوا في أهالي الشمال الأفريقي من أهل السنة، ما تشيب منه الولدان، ولا تصدقه العقول  وأنزلوا غضبهم وسخطهم على العلماء خاصة.

 

فعندما ادعى عبيد الله الرسالة أحضر فقيهين من فقهاء القيروان، وهو جالس على كرسي ملكه، وأوعز إلى أحد خدمه، فقال للشيخين: أتشهدا أن هذا رسول الله؟ فقالا بلفظ واحد: والله لو جاءنا هذا والشمس عن يمينه والقمر عن يساره، يقولان أنه رسول الله، ما قلنا ذلك، فأمر بذبحهما، وهذان الشيخان المغربيان هما: ابن هذيل، وابن البردون (أنظر سيرتهما في سير أعلام النبلاء للذهبي  الجزء 14).

 

وقال الذهبي في الجزء الخامس عشر من مؤلفه المشار إليه سلفا: أنه في حوادث سنة تسع وتسعين ومائتين، عن عبيد الله المهدي الزنديق، أنه لم يدع الرسالة فحسب، بل سمح لأتباعه أن يغرقوا في كفرهم حتى ألهوه (جعلوه إلاها)، وكانت أيمانهم المغلظة (وحق عالم الغيب والشهادة مولانا الذي برقادة)!!

 

ونذكر هنا  على سبيل المثال  عددا من جملة جرائم الفاطميين، ومنها:

 

في عهدهم سقطت بيت المقدس في يد الصليبيين وكذا كل ولايات الشام

 

شنوا حربا نفسية على أهل السنة، وذلك بتعليق رؤوس الأكباش والحمير على أبواب الحوانيت، وكتبوا عليها أسماء الصحابة رضوان الله عليهم، وأظهروا سب الصحابة، وطعنوا فيهم، وزعموا أنهم ارتدوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وخصصوا دعاة للنداء بذلك في الأسواق، ومن يذكر الصحابة بخير يقتل أو يسجن.

 

عملوا على إزالة آثار بعض من تقدمهم من الخلفاء السنيين، فأصدر عبيدالله أمرا بإزالة أسماء الحكام الذين بنوا الحصون والمساجد، وجعل اسمه بديلا عنهم.

 

منعوا أي تجمعات بين الأهالي خوفا من الثورة عليهم، وجعلوا لذلك بوقا يضرب أول الليل، فمن وجد بعد ذلك ضرب عنقه، كما أنهم كانوا يفرقون الناس الذين يجتمعون على جنازة من يموت من العلماء.

 

أتلفوا مصنفات أهل السنة، ومنعوا الناس من تداولها، وحرموا على الفقهاء الفتوى بمذهب الإمام مالك، واعتبروا ذلك جريمة عقوبتها الضرب بالسياط، أو السجن، أو القتل أحيانا، كما منعوا علماء أهل السنة من التدريس في المساجد، والاجتماع بالطلاب.

 

عطلوا الشرائع، وأسقطوا الفرائض عمن تبع دعوتهم، وأباحوا الخمر والزنا وغيرهما من المحرمات.

 

زادوا في الآذان (حي على خير العمل) وأسقطوا من آذان الفجر (الصلاة خير من النوم)، ومنعوا الناس من قيام رمضان، ومنعوا صلاة الضحى، وكانت خطبة الجمعة تخصص لسب الصحابة، فتركها الناس، وأقفرت المساجد في زمنهم.

 

من جرائم عبيد الله الكثيرة أن خيله دخلت المسجد، فقيل لأصحابها كيف تدخلون المسجد؟ فقالوا: إن أرواثها وأبوالها طاهرة، لأنها خيل المهدي، فأنكر عليهم قيم المسجد ذلك، فذهبوا به للمهدي فقتله!!

 

لا توجد بدعة في مصر إلا وتجد هؤلاء المسمون بالفاطميين هم مبتدعوها، ففي ذكرى مولد المصطفي الذي بعث برسالة (التوحيد) ابتدعوا (تماثيل الحلوى) لتدخل كل بيت مسلم في الذكرى العطرة، في شكل حصان أو عروسة، وهى امتداد لأصنام الجاهلية، وهم الذين ابتدعوا الذكر بالصاجات والتمايل كالمتراقصين فيما يعرف بحلقات الذكر.

 

وهم الذين روجوا للتبرك بالقبور، وادعوا جلب رأس الحسين بن على للقاهرة، وأكثروا من بناء القبور على المساجد، وأطلقوا عليها اسم (المشاهد) رغم منافاة ذلك لصحيح الدين.

 

وهم الذين أحالوا شهر رمضان من شهر صيام وعبادة ليكون شهر طعام وسهر ومجون!!

 

إن أجيال من المسلمين الذين يقرأون تاريخ الفاطميين لا يعرفون إلا تاريخهم السياسي فقط، ذهب فلان وخلفه فلان، وأنها دولة اهتمت بنشر العلم، لكنه العلم المضلل، ولا ينسب لهم أي فضل أو مكرمة في أي مجال.

 

أخيرا.. من يرى أنني قدمت في هذا البحث شيئا غير منطقيا، أو من لديه تحفظ على أي كلمة فصدرنا يتسع لقبول كل الآراء.

[ad id=’435030′]

من صلاح الإمام

كاتب صحفي