حشاني زغيدي

حين نقرا السيرة النبوية العطرة، نستحلي من رسمها لوحات مضيئة، لوحات جمالية، قد يعتقد الكثير إنها  قصص مروية، أو أحداث مغازي، والسيرة النبوية غير هذا. حين نمعن النظر نجد أنفسنا أمام مدرسة، ترسم استراتيجيات التربية والتعليم، لمدرسة ترسم معالم حياة الإنسان السعيدة، مدرسة تبني العلاقات الاجتماعية على أسس القيم الإنسانية.

 

تجد السيرة النبوية ترسم معالم حياة جديدة، الخير كله في حياة طيبة، حياة تبنيي على العمل الصالح، الحياة السعيدة التي حرمت منها الإنسانية المسجونة في غياهب المادة ومفاتنها، السعادة التي يبحث عنها المحرمون.

 

يقول الله في كتابه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} (سورة النحل الآية: 97)

 

ليس هناك جمال من أن يستظل المرء بروائع سيرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- لنعيش أجمل لحظات العمر، لتتواصل أرواحنا بالسماء، نعيش العبودية الكاملة في رحاب الشريعة السمجاء، نعيش لحظات لا أسر فيها للهوى ولا الشهوات، بل تضرب لنا المواعيد لنرتبط  في رسوخ في بناء حياة يصوغها الإيمان، يوثقها بأصول اعتقادنا ورسالتنا بهويتنا.

 

عن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب -رضي الله تعالى عنهما- قال: (كنت خلف النبي ﷺ يوما، فقال: يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم: أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)

 

إن الدارس للسيرة النبوية تعيش نموذج الأسرة السعيدة، يعيش حياة الزوج النموذج، الزوج القدوة، الزوج الذي يزرع الحب والوفاء في بناء تلك العلاقة، يرسم الحياة الزوجية في صورتها الصادقة دون مساحيق أو خداع، فتلك العلاقة يسوسها الصدق، يحصنها تقاسم الأعباء والتكاليف، يقوي دعائمها بعرفان الفضل، فلكل واحد دوره المنوط به.

 

فكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خير نموذج  لقائد الأسرة السعيدة، فكان مثال لأهله، وخير مثال لأمته  فكان طيب الكلام حسن معاشرة لأهله، وكان نعم الراعي لحقوق تلك العشرة، حيث يقول عليه الصلاة والسلام: ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)) سنن الترمذي.

 

كما يعيش الدارس للسيرة النبوية جمال الأبعاد الإنسانية، وفالإنسان محور أساس في هذا المنهج النبوي.

 

والمحصلة إن الجمال في السيرة النبوية تلمسه في كل مناحي الحياتية للرسول القائد، فالجمال فيها لامس فيها كل احتياجات الحياة فالسنة تعيش معك الأزمنة و أحوالها، فالأب الراعي لأسرته تجد رسمه في السنة النبوية، والقائد المنحك الخبير بفنون القيادة تجد ملامحه مرسومة في كل جوانب الحياة العملية، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان قاضيا  قاضيًا، وداعية، وإماما، معلما، عاش حياة بأشمل مفاصلها، عاش بين الناس ولم يعش معزولا عن واقع الناس، فكان رحمة مهداة من الله تعالى لتسعد به الإنسانية جمعاء.

حشاني زغيدي

من حشاني زغيدي

مدير مدرسة متقاعد، مهتم بالشأن التربوي والدعوي، الجزائر