د. ممدوح المنير

تركيا لم تنس يوما أنها حكمت العالم من شرقه إلى غربه وقت الخلافة العثمانية، ومع قدوم حزب (العدالة والتنمية) لسدة الحكم بقيادة أردوغان زاد التعلق بماضيها العريق.

والموضوع ليس تعلقا بالماضي وحسب، لكنه كذلك إدراك لأهمية الدور الجيوإستراتيجي لتركيا، فموقعها كنقطة التقاء بين آسيا وأوروبا، وقربها من العالم العربي والكيان الصهيوني، وإطلالتها على البحر المتوسط ومن ثم الشمال الإفريقي، كلها امتيازات جغرافية جعلتها تلعب دورا حيويا، فإن لم تكن لاعبا سيكون ملعوبا بها ومطمعا للمتربصين.

وبالتالي اهتمامها بالأقليات الإسلامية يرجع للبعد الديني والأخلاقي الذي يتبناه أردوغان، منذ وصول حزبه للسلطة، فهو يعتبر نفسه وريث الخلافة العثمانية حتى وإن لم يصرح بذلك، لكن أفعاله كلها توحي بهذا.

أردوغان في نفس الوقت يمدّ نفوذ تركيا خارج إطار حدودها الجغرافية، ومعروف بنظريات الأمن القومي أنّه لا ينتهي عند حدود الدولة بل يشرق ويغرّب حسبما تقتضي مصلحة البلاد، وهو ما تفعله الدول التي تعي مصالحها القومية.

والانسحاب السعودي والعربي من خدمة الأقليات المسلمة قد ساعد الأتراك للتمدد بأماكن الفراغ، لكني أعتقد أنه أفضل لهذه الأقليات، فتركيا تحرص على مصلحة الأقليات وليس سعودتها كما كانت تفعل الرياض بهم على سبيل المثال.

مثلا دور تركيا في جهود المفاوضات بالفلبين، وعقد اتفاق سلام بين (جبهة تحرير مورو)، والحكومة الفلبينية، يقضي بإقامة حكم ذاتي للمسلمين، وأيضا لنجاح ضغوط أردوغان على الحكومة اليونانية عام 2018، ومصادقة برلمان أثينا على منح الأقلية المسلمة بتراقيا الغربية، حق انتخاب المفتي والاختيار بين الشريعة الإسلامية والقانون المدني اليوناني، بمسائل الميراث والأسرة.

هذه أمثلة من عشرات الأمثلة التي لا يمكن اعتبارها مجرد مصلحة لتركيا أو للعرق التركي خارج الدولة التركية، لكنها مواقف لخدمة المسلمين من منطق أخلاقي عقائدي.

وحكام العرب الذين يقمعون شعوبهم وينتهكون آدميتهم ويستحلون أموالهم ودمائهم، هل يتوقع أن يهتموا بالأقليات المسلمة؟، بل إنهم يشنون حربا عليها، وما تفعله أبوظبي ضد الأقليات المسلمة بأوروبا وأمريكا الشمالية لا يخفى على أحد.

من د. ممدوح المنير

مدير ومؤسس المعهد الدولي للعلوم السياسية والاستراتيجية، خبير دولى فى مجال التنمية البشرية