محمد عبد العاطي

يكاد لا يوجد موضوع مهم يشغل بالي هذه الأيام مثل موضوع سد النهضة الإثيوبي. لقد قرأت كثيرا عن هذا الموضوع وكلما تعمقت فيه ازداد قلقي، بل لا أكتمكم شعورا إن قلت هلعي.

منذ آلاف السنين ونهر النيل نهرا دوليا مشتركا، تستفيد منه كل الدول المشاطئة، وفجأة في آخر عشرين سنة تقرر الدولة التي يأتينا منها ٨٥ ٪؜ من مياهه أن تحوله إلى بحيرة خاصة، وتقول أنا حرة في مائي إن أردت أعطيتكم تشربوا وإن أردت منعت مائي عنكم فتعطشوا !

نقول لها بيننا اتفاقيات عمرها مائة عام، ترد علينا بسخرية: انقعوها واشربوا منقوعها..!

تعنت وغطرسة وعناد ما رأيت مثيلا له.

لقد عرضت مصر على إثيوبيا عشرات الأفكار والاقتراحات للتعاون، منها تمويل سد النهضة نفسه، وقت أن كان فكرة، نظير الاشتراك في إدارته، وكلها قوبلت بالرفض.

اتبعت إثيوبيا معنا أسلوب إضاعة الوقت حتى تضع الجميع أمام الأمر الواقع. كانت تماطل بالشهور حتى يتم الاتفاق على جدول أعمال جولة واحدة من جولات التفاوض، وكانت تغرق الاجتماعات بالتفاصيل غير الأساسية، وحينما يطالبها المفاوض المصري بإقرار ما يتم الاتفاق بشأنه في نص قانوني ملزم ترفض وتقول: أنا أعد فقط ولا أوقع على اتفاقيات تلزمني بشئ!

المشكلة الأكبر أن الموضوع لا يقتصر على سد النهضة رغم كارثيته وإنما مع السد ثلاثة سدود على وشك الانتهاء، وهذا كله ضمن استراتيجية جديدة قائمة على اعتبار الماء سلعة يجب بيعها لمن يحتاجها، وعلى اعتبار التوسع الزراعي، الذي يحتاج لكل قطرة ماء، رافعة من روافع التنمية، فلماذا أفرط في “مواردي السيادية”؟!

الآن ما هي الخيارات التي أمام مصر؟ المفاوضات؟ عبث في عبث.

إذن ما الحل؟

 لست خبيرا عسكريا ولكن ما أعرفه أن إيران امتلكت منظومة ردع صاروخية حمت بها دولتها وفرضت بها قوتها وأسمعت من خلالها للعالم صوتها.

قبل نحو عام حينما وقعت عملية إرهابية في ضريح الإمام الخوميني ونُسبت لجماعة إرهابية في سوريا، استهدفتها إيران بصاروخ باليستي فأصاب مقرها بدقة متناهية. لقد قطع الصاروخ من إيران لسوريا مسافة توازي نفس المسافة بين مصر وإثيوبيا، فهل حانت اللحظة التي تمتلك فيها مصر منظومة صواريخ باليستية كتلك؟ هل لا يزال الامتناع عن هذه الخطوة مراعاة لإسرائيل في محله أمام التهديد الوجودي الذي تتعرض له مصر حاليا؟ لقد ساعدت كوريا الشمالية إيران في امتلاك تلك المنظومة، وبين الحين والآخر تجري طهران تجارب علنية في رسائل موجهة لمن يعنيهم الأمر مفادها: إحذروا، لدينا ما يصل لعقر داركم!

لقد كان بإمكان إسرائيل أن تدمر المنشئات النووية الإيرانية منذ سنوات كما فعلت مع المفاعل النووي العراقي في الثمانينات لكنها لم تفعل. خشيت من رد الفعل الإيراني المدمر.

ترى لو كان لدى مصر مثل هذا السلاح الرادع هل كانت إثيوبيا ستتجرأ علينا وتضعنا أمام الأمر الواقع هكذا وتعاملنا بهذا الصلف المهين؟

أعتقد جازما أن الساعة الآن تتطلب رؤية جديدة وتفكيرا جديدا وتحركا سريعا لتغيير المعادلة وقلب الموازين وإلا فإننا سنشهد سنينا لا يكاد العقل يتخيل مقدار ما فيها من شدة وضنك.

من محمد عبد العاطي

باحث في مقارنة الأديان