بعد انتظار عقدين من الزمن لرد رسمي على طلب التماس للمحكمة الصهيونية العليا، وجد آلاف الفلسطينيين الذي يعيشون في قرى مسافر يطا جنوب مدينة الخليل في الضفة الغربية أنفسهم مهددين بهدم منازلهم والطرد من أرضهم بالقوة.

وعائلة محمد جبارين من قرية «جنبة» واحدة من تلك العائلات التي عاصرت «التهجير القسري» مسبقا في العام 1999 بعد قيام السلطات الصهيونية في حينه بإجبارهم على الرحيل وهدم منزلهم الذي عاشوا فيها عقود.

ويقول جبارين (67 عاما)

وهو أب لـ12 ابنا يعملون في الزراعة وتربية المواشي، لوكالة أنباء «شينخوا» لقد طُردنا من أجل تنفيذ قرار صهيوني تم الإعلان عنه في العام 1981 بتحويل قرانا إلى منطقة عسكرية للرماية للجيش الصهيوني.

ويضيف الرجل الستيني بينما يجلس في غرفة بدائية يسقفها الصفيح على تلة صخرية، “لكن لحسن الحظ، ساعدتنا جمعية حقوق المواطن في الكيان الصهيوني على العودة إلى أرضنا بعد الطعن في هذا القرار المجحف.

ورغم عودتهم مرة أخرى، إلا أن المحكمة الصهيوينة لم تلغي القرار،

وأرجأت البت فيه لسنوات طويلة دون السماح للسكان الفلسطينيين بالعيش بشكل طبيعي مثل باقي المدن والقرى الممتدة في الضفة الغربية بحسب جبارين الذي يضع عقال على رأسه وكسا الشيب شعره وذقنه.

وتعيش عائلة جبارين منذ ذلك الوقت ضمن تجمعات سكانية معزولة عن باقي الضفة الغربية حيث تعد من المناطق الأكثر هشاشة،

إذ تملك قدرة محدودة على الوصول إلى خدمات التعليم والصحة، والبنية التحتية للمياه والصرف الصحي والكهرباء.

وإلى جانب ذلك،

تحظر السلطات الصهيونية على السكان الذي يفتقدون لكافة مستلزمات الحياة الآدمية بناء المنازل في المسافر، التي تحتوي على 12 قرية وتجمعا فلسطينيا.

ويقول جبارين، بينما يمسك وثائق رسمية تعود إلى الحكمين العثماني والبريطاني إن جميع سكان قرية جنبة،

لديهم وثائق وإثباتات بأننا السكان الأصليين لهذه المنطقة وأن آبائنا وأجدادنا عاشوا فيها قبل إقامة دولة الكيان الصهيوني في العام 1948.

ويضيف إلا أننا محرومون من العيش بشكل طبيعي، ولا يوجد لدينا منازل حضرية ولا كهرباء ولا بنية تحتية ولا أسواق،

قائلا: نحن نعاني كثيرا حتى عندما نريد أن نحصل على الطعام، نضطر للذهاب في طرق لساعات طويلة بسبب المنع الصهيوني المتواصل قبل أن نحضر الطعام.

وفي 4 مايو الجاري،

رفضت المحكمة الإسرائيلية العليا التماسا مقدما من أهالي 12 تجمعا سكنيا في مسافر يطا، ضد قرار صهيوني صدر في العام 1981،

ينص على إغلاق منطقة المسافر بشكل كامل وتحويلها إلى مناطق تدريبات عسكرية للجيش الصهيوني تحت مسمى «ميدان الرماية 918».

وبررت المحكمة رفضها للقرار بأن المدعين «فشلوا في إثبات أنهم كانوا مقيمين دائمين في تلك المنطقة قبل إعلانها منطقة تدريب عسكرية»،

مشيرة إلى أن تلك الأراضي كانت «خالية تماما من السكان، ومن أقام فيها بعد ذلك كانوا بشكل غير قانوني».

وتعتبر المحكمة العليا هي أعلى جهة قضائية في الكيان الصهيوني، ولا يمكن إلغاء قرار إخلاء مسافر يطا.

الاحتلال يواصل ممارسات الهدم في مسافر يطا الفلسطينية.. الصورة من فيسبوك

وبحسب القرار،

يمكن للسلطات الصهيونية نقل ثمانية قرى في المسافر إلى مكان آخر، وإخلائها من سكانها بشكل كامل من أجل استعمالها عسكريا، على حد قول جبارين.

والقرى المهددة إلى «جبنة» هي (المركز والحلاوة والفخيت والتبان والمجاز واصفي التحتا واصفي الفوقا)،

تقدر مساحتها 30 ألف دونم ويقطنها أكثر من ألفي شخص بينهم نساء وأطفال.

وأكد جبارين رفضه الاعتراف بقرار المحكمة النهائي، مشيرا إلى أن السلطات الصهيونية قد تجبرنا على الهجرة،

لكننا لن نسمح بذلك، حتى وإن اضطررنا للدفاع عن أرضنا بكافة الطرق المتاحة لنا.

وتابع الرجل الستيني

منذ إصدار القرار لم أتمكن من النوم لثلاث ساعات متواصلة يوميا خوفا على مصير عائلته،

بالإضافة إلى آلاف العائلات الفلسطينية الأخرى التي تعيش في المنطقة.

كذلك الأمر بالنسبة لزوجته التي تقول إنها تحملت قساوة الحياة في قرية جنبا للحفاظ على الأرض والممتلكات

التي ورثوها عن أجدادهم، معربة عن خشيتها من «تشريد عائلتها في حال أقدم الكيان الصهيوني على هدم منازلهم».

وأضافت أن «تحويل المسافر إلى منطقة عسكرية وسيلة إسرائيلية لطرد السكان واستخدامها لصالح بناء وتوسيع المستوطنات»،

مشيرة إلى أن الكيان الصهيوني تسمح للمستوطنين بالبناء في المستوطنة القريبة في حين تمنع أصحاب الأرض الأصليين من البناء.

وتقع قرية «جنبة» التي يقطنها حوالي 300 نسمة والقرى الأخرى في المناطق المصنفة (ج)

الخاضعة لسيطرة أمنية وإدارية إسرائيلية حسب اتفاق (أوسلو) للسلام المرحلي

الموقع بين الكيان الصهيوني ومنظمة التحرير الفلسطينية العام 1993.

من جهته،

قال رئيس المجلس المحلي في مسافر يطا نضال يونس إن الكيان الصهيوني

تهدف من وراء قرارها إلى ترحيل الفلسطينيين الأصليين من أراضيهم،

مطالبا السلطات الصهيونية باليأس من هذه الممارسات كون السكان «لن يرحلوا».

وذكر يونس لـ«شينخوا» أن الفلسطينيين جربوا الممارسات الصهيونية منذ عشرات السنوات

التي تخللها تدمير منازل ومصادرة أراضي وفي بعض الأحيان قتل ولم يرحلوا،

مؤكدا أن الشعب الفلسطيني والمتضامنين معه قبول رحيل القرى وأصحابها من أراضيهم.

تنديد ورفض فلسطيني

وقوبل قرار المحكمة الصهيونية بتنديد ورفض فلسطيني رسمي وأوروبي.

وقال وزير العدل الفلسطيني محمد الشلالدة خلال مؤتمر صحفي عقد في رام الله للحديث عن الأبعاد القانونية للقرار قبل يومين،

إن القرار الصهيوني بحق مسافر يطا «جريمة حرب ضد الإنسانية»، وتنطبق عليها المسؤولية القانونية والجزائية.

وتابع الشلالدة

أن هناك قواعد ومبادئ راسخة في القانون الدولي، بغض النظر عن اعتراف الكيان الصهيوني بانطباق هذه الاتفاقية أو عدم اعترافها،

مؤكدا حق الفلسطينيين استنادا إلى مبادئ وقواعد القانون الدولي في المقاومة المرتبطة بمبدأ حق تقرير المصير لزوال الاحتلال.

وأشار إلى أن وزارة العدل مكلفة من الحكومة الفلسطينية على المستوى القانوني

من خلال رفع قضايا ضد الاحتلال والمستوطنين من أجل تحميل الكيان الصهيوني القوة القائمة بالاحتلال، المسؤولية القضائية.

ذكرى «النكبة»

ويأتي القرار تزامنا مع إحياء الفلسطينيين في 15 مايو من كل عام ذكرى «النكبة»

التي جرت العام 1948 حيث طرد ونزح من الأراضي التي سيطر عليها الكيان الصهيوني حوالي 957 ألف فلسطيني،

أي ما نسبته 66 في المائة من إجمالي الفلسطينيين الذين كانوا يقيمون في (فلسطين التاريخية) آنذاك.