عُقد مؤتمر فينّا (مجمع فينا) برعاية الكنيسة سنة 1312م، أي: في مطلع القرن الرابع عشر الميلادي، أي: منذ (700 سنة)، وأصدر هذا المؤتمر الكنسي (أهم قرار وأخطره) من حيث ما ترتّب عليه من تداعيات وتطورات وتحولات في الغرب، من ناحية، وعلاقته بالإسلام والمسلمين من ناحية أخرى.

ذلكم القرار كان يقضي بإنشاء خمسة أقسام علمية متخصصة في دراسة وتدريس اللغة العربية والإسلاميات، في جامعات الغرب (أوربا لأن أمريكا لم يكن الأوربيون قد عرفوها ) الكبرى من (سلمنكا إلى الفاتيكان، ومن باريس إلى أكسفورد).

وبدأت الجامعات الغربية -منذ 700 سنة- تدرس العربية والإسلام، في أقسام علمية جامعية متخصصة .

ونحن نعلم أن (القسم العلمي) يحتاج إلى أساتذة متخصصين وطلاب ومراجع عربية ومصادر إسلامية ومنشورات ومؤتمرات وسوق عمل للخريجين وبرامج أكاديمية و…إلخ.

حاجتهم للمراجع والمصادر الإسلامية دفعتهم إلى البدء في حركة مستمرة ليومنا هذا، لنقل عشرات الآلاف من المخطوطات من كل أقطار العالم الإسلامي.. ويقدر بعض الخبراء عدتها اليوم بـ ستين ألف مخطوط (عنوان) في جامعات الغرب ومكتباته المركزية.

كانت الكنيسة وقتذاك تسيطر على الجامعات ، وتضعها في خدمة خططها وأهدافها الاستراتيجية.

لكن الاحتكاك المباشر بالعقل الإسلامي والفكر والعلم الإسلامي، والتفاعلات والتمثلات، شجعت – مع عوامل أخرى محلية -على أن يقوم كل من (مارتن لوثر، وكالفن، وزونجلي مؤيدين ببعض الأمراء والملوك الحانقين على الكنيسة ورجالها ، ومؤيدين – سرا – من العثمانيين) بحركة الاحتجاج ضد فساد البابا والكنيسة!!

واشتعلت بسب ذلك حروب طويلة وسفكت دماء كثيرة .

ونجح أخيرا الإصلاحيون الذين تسموا بالبروتستانت ، وانشطر رعايا الكنيسة إلى شطرين : الكاثوليك والبروتستانت الذين ناصبوها -ولا يزالون- العداء الشديد،.

ملاك القول : أن الكنيسة قد ضعفت وفقدت كثيرا من سلطانها وطغيانها.

واستمرت التفاعلات الإيجابية في الغرب إلى مطلع القرن السابع عشر.. وفيه تساءل المفكرون والعلماء والفلاسفة: لماذا نحن متخلفون؟

وجاء جواب المفكرين والفلاسفة – بعد أن تنفسوا الصعداء بسبب ضعف الكنيسة – :

* سببُ تخلفنا يكمن في خطأ الطريقة التي نفكر بها والمناهج التي نبحث بها!!

لقد فرضت الكنيسة منهج (جدهم أرسطوطاليس القياسي العقيم) على العلماء والمفكرين، فانتكسوا وارتكسوا وتخلفوا. اقترح فرنسيس بيكون البريطاني وطور ( المنهج الاستقرائي) التجريبي .

واقترح وطور معاصره الفرنسي رينيه ديكارت المنهج (الاستنباطي) العقلاني .

وجاء ذلك بعد أن انتقدوا منهج جدهم أرسطو وسفّهوه وازدروه ازدراء شديدا!

ثم جاء إسحاق نيوتن وعمل على الجمع أو التقريب بين (الاستقراء والاستنباط).

غيّرت أوربا وعدلت من طرائق تفكيرها ومناهج بحوثها، فحدثت فيها ثورات علمية وفكرية عظيمة، حقّقت لها: القوة والثروة معا، وكان في الغرب ما كان.

لقد كانت الخطوة الأولى: قرار إنشاء أقسام علمية خمسة في الجامعات الأوربية الكبرى ،مع عوامل داخلية طبعا، وتخلّف أصحاب العلم الأصليين وتراجعوا وتقهقروا وضعفوا واستكانوا، ولله في خلقه شئون!

د. محمد الشرقاوي

من د. محمد الشرقاوي

أستاذ الفلسفة الإسلامية، والدراسات الدينية والاستشراقية في جامعه القاهرة.