يثور هذه الأيام جدل حول نظام الإرث الإسلامي، وبالتحديد حول الحكم الشرعي المنصوص عليه بقوله تعالى: «يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين»، وهي حالة من حالات كثيرة مختلفة ومتفاوتة، وفي بعضها يكون نصيب الأنثى مساوياً لنصيب الذكر، وفي بعضها يزيد، بمعنى أن نظام الإرث هو نظام شامل ويجب على من يناقش فيه أن يطّلع عليه اطّلاعاً شاملاً كذلك، وإلا وقع فيما يخالف المنهجية الصحيحة للبحث العلمي، إضافة إلى أن أكثر الذين يثيرون هذا الجدال نراهم يسكتون تماماً عن قوانين الإرث المعمول بها اليوم في دول العالم المختلفة، وكأن «حرية النقد» و«حريّة التعبير» و«الرأي والرأي الآخر» إنما وجدت لتعمل في دائرة الإسلام فقط، وعليه فمن حق المسلمين أن يشككوا في الدوافع الحقيقية لهذه المجادلات، لأنهم يرون كأنّ إسلامهم هو المستهدف فقط، بينما يقتضي النهج العلمي والموضوعي تقديم دراسات مقارنة بين كل التشريعات والقوانين التي تتناول هذه المسألة، وهذا على الأقل جزء من متطلبات «حوار الأديان» أو «حوار الحضارات».

المسلمون أيضاً -وبنظرة موضوعية كذلك- من حقهم أن يستغربوا حينما يشارك بعض المنتسبين للإسلام في هذه الحملة التي تنال بشكل واضح من حكم ثابت وقطعي من أحكام القرآن، إذ إن المسألة بإطارها العلمي الصحيح ليست مسألة إرث، وإنما هي في الحقيقة تمس قدسية القرآن، وصلاحية الشريعة الإسلامية للتطبيق، ومن ثم ينبغي التحوّل في النقاش مع هؤلاء إلى مناقشة موقفهم حقيقة من أصول الإيمان، ونظرتهم إلى الوحي والنبوّة والرسالة، خاصة ونحن نتحدث عن قطعي من قطعيات الوحي، وليس عن مسألة فقهية اجتهادية.

ومع كل ذلك فإننا نقبل التحدي من هؤلاء وأولئك، وفي الإطار الذي يريدون، لأننا على ثقة بأن الحكم الشرعي الثابت في الوحي لا يمكن أن يكون إلا مع مصلحة الإنسان؛ الرجل والمرأة، على حدّ سواء، فالله تعالى لا ينحاز أبداً لهذا ولا لتلك، وقد أبان لنا -سبحانه- بشكل واضح وقاطع الغاية الكلية لهذه الشريعة والتي تنتظم كل مسائلها وجزئياتها فقال: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين».

قلت لصاحبي مرة وأنا أحاوره، وأحاول أن أقرّب له الصورة، وكان من المتأثرين جداً بتلك المجادلات: لو توفي أب وترك ابناً وبنتاً، وترك لهما مثلاً ثلاثمائة ألف، فكم سيأخذ الابن وكم ستأخذ البنت؟ قال: للابن مئتان، ولأخته مائة. قلت: الابن سيتزوج والبنت ستتزوج، كم سيدفع الابن على زواجه؟ وكم ستدفع البنت؟ إن الابن سيدفع مثلاً مائة مهراً لامرأة أخرى، بينما أخته ستأخذ مائة ثانية مهراً لها، وفي المهر لا توجد نسبة، فالمسألة لصالح البنت 100%. ثم بعد الزواج؛ الأخ ملزم بالإنفاق على زوجته، بينما أخته سيتولى زوجها الإنفاق عليها، فهي لا تنفق من مالها شيئاً، الآن لنحسب ماذا بقي للابن وماذا بقي للبنت؟ كان صاحبي مندهشاً وهو يتساءل: لماذا إذاً يتغافلون عن كل هذه الحسبة المالية المعقّدة (الإرث -المهر- النفقة) ولا يركزون إلا على جزئية الإرث؟

إننا نرحب بالحوار مع كل فكرة مهما كانت ومهما كان صاحبها، بشرط أن تكون فكرة وليست شيئاً آخر.

من د. محمد عياش الكبيسي

مفكر وداعية اسلامي، دكتوراه في الفقه الاسلامي