خلال عام 2022، سيطرت حالة من عدم اليقين على الاقتصاد العالمي بسبب الحرب الأوكرانية، وارتفاع أسعار الطاقة، والتي أثرت على زيادة معدلات التضخم، ناهيك عن تبعات جائحة كورونا، فيما تنامت المخاوف من ركود اقتصادي مقبل.

 

ورغم هذه المخاوف التي ألقت بظلالها على الاقتصادات العالمية، إلا أن التأثير على الدول العربية كان متفاوتا، خاصة عند الحديث عن الدول المنتجة للنفط، والدول المستوردة للنفط.

 

وأنهى مؤشر السوق السعودية للأسهم عام 2022 بتراجع 7.1 في المئة، وهو في أدنى مستوى في 20 شهرا، بعدما بلغ أعلى مستوياته في 17 عاما خلال مايو الماضي، بحسب تقرير نشرته وكالة رويترز.

ورغم التحديات الاقتصادية التي تواجه مصر، إلا أن البورصة المصرية حققت أفضل أداء في أسواق الشرق الأوسط في 2022، إذ استطاعت تحويل الخسائر إلى المكاسب في الربع الأخير بعد اتفاق مع صندوق النقد الدولي.

 

وتتباين آراء المحللين الاقتصاديين تجاه توقعات 2023، ولكنهم يتفقون على أن مسار الاقتصادات سيبقى رهنا لحالة “عدم اليقين”، ومدى استقرار أسعار الطاقة.

 

عدم اليقين

الخبير الاقتصادي، وائل النحاس، يوضح أن “أسواق المال العربية، ورغم التراجع التي شهدتها بعض المؤشرات، إلا أن بعضها حقق نوعا من الزخم والتحسن”.

 

وبين في حديث صحفي، أن “السوق المالية السعودية ونظيرتها الإمارتية شهدتا تدفقات مالية كبيرة خلال 2022، وذلك بعد تعديل العديد من القوانين والقيود التي ترتبط بالاستحواذات، وهو ما أوجد العديد من الصفقات الكبرى التي شهدتها هذه البورصات”.

 

ويرى النحاس أن تأثيرات الحرب الأوكرانية، على الاقتصاد تتباين بين الإيجابية والسلبية، إذ أن “الدول المنتجة للنفط حافظت على مستوى جيد من الإيرادات وتحقيق النمو، كما استفادت بعض الدول في إيجاد سوق جديدة لتصدير الغاز، ولكن آثارها على الدول المستوردة للنفط كانت كبيرة جدا، وأثرت على حياة مواطنين بشكل مباشر”.

 

ويشير النحاس إلى أننا قد نشهد نوعا من التراجع في اقتصادات الشرق الأوسط، خاصة في ظل عدم استقرار سوق النفط، والذي قد يتسبب بتراجع الأسعار، ما يعزز حالة عدم اليقين، خاصة للدول المنتجة للنفط.

 

وأوضح البنك الدولي في تقرير له أن 2022 اتسمت بأنها سنة “عدم اليقين” إذ رغم “حدوث تعاف اقتصادي” إلا أنه كان “غير مستقر ومتفاوتا” حيث واجهت التنمية العالمية أزمة. وساهم تباطؤ النمو في انتكاسة التقدم المحرز على صعيد الأجندة العالمية لخفض الفقر، فضلا عن زيادة الديون العالمية.

 

الخبير المالي والاقتصادي، وجدي مخامرة، يتفق بأن حالة “عدم اليقين” ستكون ميزة للعام 2023، إذ يُتوقع تحقيق نمو اقتصادي ضعيف في الدول العربية والعالم، وذلك يعود إلى ثلاثة أسباب: ارتفاع التضخم وقرارات البنوك المركزية والحرب الروسية الأوكرانية والتحالفات الجيوسياسية والظروف الوبائية وتأثيرها المستمر على سلاسل الإمداد.

 

الركود التضخمي

ويشرح في حديث صحفي، أن “أسعار الفائدة المرتفعة ستحاصر التضخم، إلا أنها ستعيق النمو الاقتصادي، ناهيك عن تسارع الأحداث الوبائية والجيوسياسية ورغم الحديث عن تعاف من جائحة كورونا، إلا مخاطر الركود التضخمي تنامت بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام والضغط على سلاسل الإنتاج العالمية”.

 

ويرى الخبير مخامرة أن “ارتفاع أسعار الفائدة على السندات الحكومية، والزيادات التي طالت تكاليف الاقتراض للمستهلكين ومؤسسات الأعمال، ساهم في حدوث انخفاضات حادة في أسعار الأسهم على مستوى العالم والمنطقة العربية بسبب تأثير السياسات النقدية على خطط النمو للشركات”.

 

ويعتقد أن استمرار “الأزمات الجيوسياسية، وإذا ما تراجعت أسعار النفط، قد يعني أن البورصات العربية ستشهد تراجعا في 2023، أكان في الدول النفطية وحتى غير النفطية”.

 

وتراجعت أسعار النفط، الخميس، بفعل “عدم اليقين” بشأن آفاق الطلب، مع دراسة مزيد من الدول فرض قيود على المسافرين القادمين من الصين في ظل انتشار عدوى كوفيد-19 لدى أكبر مستورد للخام في العالم، وفق رويترز.

 

وتعمل الحكومة الصينية على تخفيف القيود المفروضة لمكافحة تفشي الجائحة، لكن زيادة الإصابات هناك تدفع بعض الدول إلى تشديد قواعد السفر للزائرين القادمين من الصين.

 

وانخفضت العقود الآجلة لخام برنت تسليم فبراير دولارا، أو 1.2 بالمئة عند التسوية، إلى 82.26 دولار للبرميل. كما تراجعت عقود خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 56 سنتا، أو 0.7 بالمئة، إلى 78.40 دولار للبرميل.

 

كبير محللي السوق لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى شركة إكسنس، وائل مكارم، قال لوكالة رويترز إن أسواق الأسهم شهدت فترة صعبة في 2022 وسط تأثير قوي للتضخم ورفع أسعار الفائدة والحرب في أوكرانيا على معنويات المستثمرين.

 

وأضاف أن الحرب في أوكرانيا تسببت في تقلبات قوية في أسعار الطاقة مما أثر بدوره على الاقتصادات حول العالم وعلى أداء الشركات في العديد من القطاعات من النقل وحتى التجزئة، مشيرا إلى أن “الخوف من التباطؤ الاقتصادي سيطر على الأسواق خلال العام وقد يمتد ذلك إلى 2023 مع بقاء احتمال الركود واردا”.

 

من جانبه، استبعد الخبير النحاس أن نشهد “ركود اقتصادي” في المنطقة خلال 2023، حتى إذا تراجعت أسعار النفط، فهذا يعني انخفاض الإيرادات، وبما يدفع هذه الدول إلى تقليل التوسع في الإنفاق الاستثماري، ولكنه لن يجعلها تصل إلى مرحلة “أزمة”.

 

وتابع أن الأوضاع ستكون مختلفة في الدول المستوردة للنفط، والتي قد يقوم بعضها ببيع بعض الأصول التي تملكها الدولة، بسبب ضعف قدرتها في جذب الاستثمار لأسباب عديدة.

 

وتخوف النحاس أن بعض هذه الدول قد يشهد اتساعا في فجوات الفقر والبطالة، ما قد يولد حالة من الغضب الشعبي، تسبب ضغوطا إضافية على الحكومات.

 

وتربط معظم دول مجلس التعاون الخليجي، ومن بينها السعودية والإمارات وقطر، عملاتها بالدولار وتتبع تحركات البنك المركزي الأمريكي عن كثب بما يجعل المنطقة معرضة لتأثير مباشر لتشديد السياسة النقدية في أكبر اقتصاد في العالم.

 

وفي 14 ديسمبر الجاري، رفعت معظم دول الخليج أسعار الفائدة الرئيسية نصف نقطة مئوية في أعقاب قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي زيادة أسعار الفائدة بنفس القدر، بحسب رويترز.

 

وعادة ما توجه قرارات الاحتياطي الفيدرالي سياسة البنوك المركزية في الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي نظرا لارتباط معظم عملات المنطقة بالدولار.

 

ورفعت السعودية والإمارات، أكبر اقتصادين في المنطقة، أسعار الفائدة 50 نقطة أساس. ورفع البنك المركزي السعودي أسعار إعادة الشراء إلى خمسة في المئة وإعادة الشراء العكسي إلى 4.5 بالمئة. كما رفعت الإمارات سعر الفائدة الأساسي إلى 4.4 بالمئة.

 

وأعلن بنكا البحرين وقطر المركزيان رفع أسعار الفائدة الرئيسية 50 نقطة أساس. ورفعت الكويت سعر الخصم 50 نقطة أساس، الأسبوع الماضي، من ثلاثة بالمئة إلى 3.50 بالمئة.

 

وبينما توقع الاحتياطي الفيدرالي توقف النمو الاقتصادي الأمريكي تقريبا العام المقبل، يتوقع صندوق النقد الدولي نمو الناتج المحلي الإجمالي في الخليج بنحو 3.6 بالمئة.

وتحاول جميع البلدان المصدرة للنفط في المنطقة تنويع اقتصاداتها في قطاعات أخرى غير النفط والغاز.

 

ويتوقع البنك الدولي في أحدث تقاريره الذي صدرة أواخر أكتوبر الماضي، أن تنمو اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 6.9 في المئة في عام 2022 قبل أن تنخفض إلى 3.7 في المئة و2.4 في المئة في عامي 2023 و2024 على التوالي.

 

ويتوقع البنك أن يقترب مجموع إجمالي الناتج المحلي لدول مجلس التعاون الخليجي من تريليوني دولار في عام 2022. في حال استمرت دول المجلس في العمل كالمعتاد، فإن إجمالي ناتجها المحلي سينمو إلى 6 تريليونات دولار بحلول عام 2050.

 

أما إذا عمدت هذه الدول إلى تنويع اقتصادها يمكن لنمو إجمالي الناتج المحلي أن يتجاوز 13 تريليون دولار بحلول عام 2050.

من أبوبكر أبوالمجد

صحفي مصري، متخصص في الشئون الآسيوية