د. أحمد زكريا

نُعايِشُ هذه الأيام شدةَ الحَرِّ اللافح، والصيف القائظ، والشمسُ تزداد سطوعاً، لترسل نورها وتنشرَ سياط لهبها على الأرض والأبدان، ولا تسأل عن حال الناس في هذه الأيام مع شدة الحر وهم يطلبون الظل الظليل، والهواء العليل، والماء البارد السلسبيل؛ لذا كان لا بد لنا مع الصيف من وقفات، ومع الحر من خطرات، ومع القيظ من عبر وعظات.

الزمانُ بليله ونهاره، وشهوره وأعوامه، وصيفه وشتائه آيةٌ من آيات الله تبارك وتعالى التي نصبها للعباد موعظةً وذكرى، موعظةٌ في تقلُّبِ الأحوال وتصرفها، وغِيَرِ الأيام وتصرُّمها.

يذكرنا كَرُّ الغداة ومَرُّ العشي بأن الحياةَ مراحل، وأَن كُلَّ مرحلة لها قيمتُها ومكانتُها، ولكل منها تَبِعةٌ مطلوبةٌ، وحسابٌ قائمٌ، قال الحسنُ البصري -رحمه الله-: “ما من يوم ينشق فجره وتشرق شمسه إلا ينادي منادٍ يا ابن آدمَ أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيدٌ، فتزود مني بعملٍ صالحٍ، فإني لا أعودُ إلى يوم القيامة”.

إنّ في هذا الحر دليلاً من دلائل ربوبية الله -سبحانه وتعالى-، فهو الذي يقلّب الأيام والشهور، ويطوي الأعوام والدهور، وهو الواحد الأحد الصمد، المستحق للعبادة، سبحانه وبحمده! قال تعالى: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) [النور:44]؛ فوجوده -سبحانه- وربوبيتُه وقدرتُه أظهرُ من كل شيء على الإطلاق.

وفي كُل شيءٍ له آيةٌ * تدُلُّ على أنَّهُ واحدُ

قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: “ثم تأمل هذه الحكمة البالغة في الحرّ والبرد، وقيام الحيوان والنبات عليهما، وفكِّر في دخول أحدهما على الآخر بالتدريج والمهلة حتى يبلغ نهايته، ولو دخل عليه مفاجأة لأضرّ ذلك بالأبدان وأهلكها، وبالنبات، ولولا العناية والحكمة والرحمة والإحسان لما كان ذلك” اه.

عباد الله: ونحن نعيش ونعايش الهجير والرمضاء وهذا الحر اللافح، نتذكر ما منَّ به ربنا علينا وأنعم من الوسائل التي تقينا الصيفَ وقيظَه، من الظلال الوارفة، والأشجار اليانعة، قال تعالى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) [النحل:81]

من د. أحمد زكريا

كاتب وباحث