اللغة العربية

 


يُعَرف التخطيط اللغوي، حسب كوبر(2006)، بالمتابعة المنظمة الهادفة إلى إيجاد الحلول لمشاكل لغة معينة، وعادة ما يكون ذلك على المستوى القومي، وينصب على قواعد اللغة وبنيتها أو وظائفها أو على الاثنين معا.

وتبرز أهمية التخطيط اللغوي لتعليم اللغة العربية بعدما تبين أن السياسة اللغوية الحالية سياسة فاشلة كما بين ذلك الفاسي الفهري (2003)، لذلك لا مناص من إعداد خطط لغوية تدعم اللغة العربية حتى تغير الوضعية الراهنة لأجل الرقي بها. و”يقتضي النهوض بالعربية إعداد خطط لغوية من مستويات مختلفة” ، مثل ما تقوم به الدول المتقدمة التي تضع قوانين لحماية لغتها حتى تسلم من الأخطاء اللغوية ومخالفة الضوابط والقواعد، وحتى تتمكن في المحيط (في التعليم والإدارة والاقتصاد والإعلام…إلخ.
والسؤال المهم في هذا الصدد هو من يخطط ولم يخطط، وكيف يتحقق التخطيط للغة العربية؟
يتوقف التخطيط اللغوي على كل الأطراف الفاعلة، ذلك أن نجاح خطط تعليم اللغات يكون موقوفا على كل الفاعلين، “أولها المجتمع ممثلا بالسلطة التربوية، ثم عالم اللسانيات التطبيقية، فالمعلم المباشر في فصله. وفي هذا السياق أشار كوردر إلى أننا عندما نتحدث عن تعليم اللغات، فإن مصطلح التعليم يغدو أمرا ملتبسا إلى حد بعيد؛ إذ كثيرا ما يطلق على نشاط المعلم بين جدران الفصل في تفاعل طلبته معه، غير أن الممارسين يعلمون أن ذلك نقطة النهاية لعمل جبار من الإعداد الطويل والتنظيم المبوب والتعديل المتواصل، ولكل ذلك أهمية بالغة، إذ هو مما لا يتجزأ في العملية الكلية”.

ويتطلب التخطيط اللغوي سن سياسة لغوية عربية عصرية تنظر إلى العربية على أنها مسألة هوية. “ويلزم وضع حد للسياسات المزدوجة القائمة على سياسة صريحة رسمية (في النصوص التشريعية)، وسياسة ممارسة في الواقع لا تدعمها النصوص الرسمية قائمة على الاستعمال الفعلي للغة الأجنبية الذي يكاد يكون أحاديا في المعاملات الاقتصادية أو الإدارية أو التعليم العلمي، أو ضمن ثنائية منافسة في الإعلام والإدارة والثقافة، مطبقة على اللغة الرسمية، ومضعفة لها” . ويعني هذا وجوب التطابق بين المعلن والواقع. وإذا كانت العربية هي اللغة الرسمية حسب الدستور فإنها تحتاج إلى توظيفها في الحياة العلمية، كما يلزم “الابتعاد عن اتخاذ الثنائية اختيارا في التعامل مع اللغات الأجنبية، عوض التعدد اللغوي درءا لجعل اللغة الأجنبية الوحيدة تتخطى نحو الإحلال محل اللغة الوطنية الرسمية”.

والعربية في حاجة إلى المتخصصين بغية توظيفها وتسهيل تعقيداتها؛ إذ تحتاج العربية الفصحى إلى جهد جميع المتخصصين للعمل على تيسير استعمالها في الحياة العامة، وتجنب التعقيدات، وتذليل الصعوبات، وتبسيط القواعد النحوية والصرفية، وتغذيتها بالصيغ وبالمصطلحات الجديدة في حدود لغة بسيطة وسليمة تكون لغة وسطى قابلة للانتشار والاستعمال، ويمكن البدء في هذا الإطار بوضع قواعد مسيرة في النحو والصرف”.

كما ينبغي أن تعطي الأهمية لتعميم اللغة العربية، إذ يجب “تبني سياسة لغوية تعليمية واضحة تعطي أهمية لتعميم التعليم باللغة العربية والتعليم في المواد العلمية والحضارية على السواء…، وكذا عدم التردد في تعريب التعليم من الروض إلى الجامعة، ، وقد يحقق هذا الطلاقة اللغوية التي يطمح إليها تعليم اللغة العربية.

وينبغي تحديد النشاط اللغوي على عمل تمت إدارته بشكل مثالي تحدد فيه الحاجيات بطريقة منطقية وعقلانية، وتحدد فيه الأهداف بدقة، وتحدد الوسائل الكفيلة بتحقيق تلك الحاجات، وتقدم النتائج بشكل منظم يسمح بتكامل الأهداف مع الوسائل.

آنذاك نكون أمام تخطيط لغوي يعيد للعربية لمعانها وقيمتها بين اللغات الحية.

ولتوضيح الإجراءات، المتعلقة بالتخطيط اللغوي نستعين بتحديد هاوجن (Haugen) لهذا المفهوم، حيث يقول: “يعني مصطلح التخطيط اللغوي كافة أنشطة معيرة اللغة التي تؤديها المجامع اللغوية واللجان المختصة بتطوير اللغة، وهي كافة أشكال الأنشطة التي تعرف عموما بتنمية اللغة، وكافة المقترحات المتعلقة بإصلاح اللغة ومعيرتها”.

ويدلنا هذا التعريف على أن التخطيط اللغوي يهدف إما إلى خلق نظام جديد أو تعديل النظام اللغوي الموجود أو اختيار بدائل أخرى من لغة مكتوبة أو منطوقة . وهذا ما عبر عنه هاوجن، في تحديده السابق لمفهوم التخطيط اللغوي، حيث أشار إلى:

– تنمية اللغة؛

– إصلاح اللغة بناء على اقتراحات؛

– معيرة اللغة.

ويشكل التخطيط اللغوي تخصصا من اللسانيات التطبيقية أحد فروع اللسانيات الاجتماعية التي تأسست منذ سنوات خلت كعلم مستقل بذاته . والأهم من هذا ينبغي على المخطط أن يلم باللغة في المجتمع قبل البدء بعمله وأن يدرس العوامل الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية والتربوية التي تتداخل مع المسألة اللغوية في المجتمع.

وهكذا يشكل التخطيط اللغوي نشاطا يتم خلاله وضع الأهداف، واختيار الوسائل، والتكهن بالنتائج بصورة واضحة ومنظمة. ويركز التخطيط اللغوي على المشكلات اللغوية من خلال اتخاذ القرار بالنسبة إلى الأهداف البديلة والخيارات لإيجاد الحلول فيما يتعلق بهذه المشكلات. وقد لا ينحصر التخطيط اللغوي في عمل السلطة، وإنما بإمكان مؤسسات وأجهزة أخرى القيام بهذا العمل. ونعتقد أن سن تخطيط لغوي للغة العربية قد يخفف من المشاكل المطروحة في تعليم الدرس اللغوي، لأن المجتمعات التي خططت تخطيطا لغويا أصلحت لغتها.

وهكذا يكون التخطيط اللغوي للعربية فعلا إيجابيا قد يؤدي إلى تمكين الطفل من تجاوز المشاكل النفسية والبيئية، وتمكينه من التغلب على مشكل الازدواجية بتحسين أوضاعه النفسية والبيئية، وجعلها أوضاعا طبيعة. ويفترض مقياس الطبيعة أن يكتسب الطفل اللهجة في محيط الأسرة (ويتابع تنمية هذه اللهجة في هذا الوسط، وربما في الشارع) ويكتسب العربية الفصيحة في الحضانة والروض والمدرسة الابتدائية، فيما بعد ودون أن يستعمل المعلم العامية بضرب من الإغماس (immersion) الذي يكون فيه الشريك في الروض أو المدرسة “أجنبيا” عن الشريك في البيت. فإن اكتمل نظام اللغة في ذهنه وممارسته بين الروض والمدرسة، أمكنه أن يتعلم الأجنبية والمعارف الأخرى، وهو قد نمى قدراته الإدراكية والمعرفية في ظروف نفسية وبيئية مواتية.

إن حل مشكل ضعف مردودية التعليم وضعف اللغة العربية وضعف اللغات الأجنبية يمر أولا عبر تهيئ البيئة الطبيعية لتجاوز مشكل الازدواج، وتمكين المكتسب المبكر من اللغة الفصيحة عبر خلق “فضاء” ذهني عربي معمم على كل المواد، وأخيرا عبر فضاءات تعديدية مندمجة ومتزنة. وهناك، طبعا، الطرق والآليات التي تمكن من الفهم الإنتاج أكثر من شحذ الذاكرة بمعلومات زائلة، وتنمية المهارات في استقلال عن بعضها بعضا وإيجاد المعلم المقتدر.
——————

الهوامش

1 – الفاسي الفهري (2005)؛: “دعم اللغة العربية تعزيز للهوية القومية والتنمية المجتمعية”، ص: 169.
2 – نذكر على سبيل المثال ميثاق اللغة الفرنسية بكندا (charte de la langue français) وقانون توبون بفرنسا (la loi toubon).
3- عبد السلام المسدي (1986): نقلا عن كوردر في كتابه: مدخل للسانيات التطبيقية.
4 – الفاسي الفهري (2005)، المرجع السابق، ص: 168.
5- المرجع السابق والصفحة نفسها.
6 – المرجع نفسه. ص: 171.
7- المرجع نفسه. ص.169
8- المرجع السابق، ص: 169.
9 – أنظر كوبر (2006): التخطيط اللغوي والتغير الاجتماعي، ص: 85 وما بعدها.
10- المرجع نفسه، ص:88
-11- ذكر كوبر في كتابه “التخطيط اللغوي والتغير الاجتماعي” أربعة نماذج منها إحياء اللغة العبرية في فلسطين.
12 – الفاسي الفهري (2003): ص: 21-22.