عجّ البرلمان الفرنسي هذه الأيّام بالشجب والصراخ وطرح التساؤلات لمجرد أن الجزائر أرجعت أو أعادت بعث مقطع من مقاطع سلامها الوطني الذي كتبه الراحل مفدي زكرياء بدمائه بسجن بربروس خمسينات القرن الماضي خلال الحقبة الاستعمارية الفرنسيّة بالجزائر، والتي امتدت من العام 1830 إلى غاية العام 1962.

سؤال أحد البرلمانيات في فرنسا والذي وجِه إلى رئيسة وزراء فرنسا إليزابيث بورن حول ما هو رأي ماكرون في القضيّة  المثيرة للجدل داخل فرنسا، وكيف أن العلاقات الثنائية بين البلدين لم تعد كما يحب الفرنسيون والمتحدثة واحدة منهم، وكيف أن البوصلة الجزائرية توجهت بالعلاقات مع روسيا –عدوة فرنسا- لتصبح أكثر قوة ومتانة في الوقت الذي تأجلت فيه زيارة الرئيس الجزائري إلى باريس.

النشيد الجزائري الذي أصبح في نظر هذه النائب في مقطعه الثالث يثير العداوة بين البلدين  وهو الذي حسبها يجب عدم كينونته أصلا بما أنه مثّل ظرفا تاريخيا محددا – الفترة الاستعمارية- ومنظمة معينة هي -جبهة التحرير- ذلك الوقت، وبالتالي لماذا يتم العمل به الآن وقد تغيرت الظروف حسب هذه النائب متسائلة.

ربما تناست هذه المسئولة أن النشيد الفرنسي هو نشيد حرب وهو يدعو في كلماته إلى الحرب فعليا، ولا تزال كلماته لحد اليوم ولم يتغيّر رغم تغيّر المعطيات والظروف الداخلية والخارجيّة في فرنسا، فالجزائر لم تغيّر سلامها الوطني لما فيه من رمزيّة، ولقد دأبت غالبية دول العالم إلى الاحتفاظ بكلمات  وألحان سلامها الوطني على مرّ الزّمان لما في ذلك من دلالات ورمزيّة تتعلق أساسا بالهويّة وروح الانتماء للوطن، ونظن بأن فرنسا التي عانت ويلات الحروب  تعرف جيدا معنى  أن يتدخل أحد ما في شؤونك ومسائلك الداخليّة أو أن يمسّ أو يطمس -أو أن يحاول- شيئا من رموزك.

عنجهيّة وتطاول الدول التي لطالما وضعت نفسها في تصنيفات عليا  أنشأتها يوما ما، لا تزال تنظر بعلويّة وسطحيّة وأبويّة لغيرها من الدول في وقت تغيّر معه العالم الذي يسير قدما نحو نظام دولي جديد وهيكل آخر غير الذي كان.

فرنسا لا ترد في المقابل الاعتراف بجرائمها الجهنميّة في الجزائر كما فعلت دول استعمارية أخرى عندما طالبت الصفح والعفو والاعتذار من مستعمراتها السابقة في صورة الجارة إيطاليا التي  قدمت اعتذارا مشفوعا بترضيّة مالية نظير ما فعلته  في ليبيا .

ملف الذاكرة والتّاريخ الذي تتماطل  فيه فرنسا والنظرة الاستعلائية والبراجماتيّة وكذا النزعة الوصائيّة والأبويّة المنبوذة تجعل باريس أبعد ما يكون عن الجزائر بمسافات أميال ضوئيّة تختزل في طياتها  دياجير مظلمة لسنوات استعمارية منقوشة في الذاكرة الجماعية للأمة الجزائريّة.

من عزيز فيرم

كاتب سياسي وروائي جزائري